صراع يحتدم بين الجيش الإثيوبي وحكومة إقليم تيجراي، وسط مخاوف من اندلاع حرب أهلية خاصة أن الصراع أدى إلى مقتل المئات وفرار الآلاف إلى السودان، وانتهاكات عدة في مجال حقوق الإنسان، وقد يشجع هذا الصراع جماعات أخرى تسعى للحكم الذاتي، أن تنحو نحو تيجراي. والجدير بالذكر أنه قبل عام من الآن فاز رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بجائزة نوبل للسلام لإصلاحاته السياسية في البلاد، إلا أن إثيوبيا تشهد حاليا اضطرابات تنذر بوقوع حرب أهلية.
وتستعرض وكالة «الأسوشيتد برس» رحلة آبي أحمد من رئاسة الوزراء إلى جائزة نوبل ثم الاضطرابات الداخلية التي تنذر بحرب أهلية.
إبريل 2018: تولي آبي أحمد السلطة
تحت الضغط الشعبي المتزايد والاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تطالب بمزيد من الحريات، تنحى رئيس الوزراء السابق، هايلي ماريام ديسالين، وخلفه آبي أحمد، من أب من عرقية الأورومو وأم أمهرية، ليكون بذلك أول رئيس من الأورومو يصل للحكم، ودشن «أحمد» إصلاحات جديدة في البلاد، وأطلقت الحكومة سراح السجناء السياسيين، ورحبت بشخصيات المعارضة في المنفى، وتعهدت بفتح المجال السياسي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
الإصلاحات لم تقتصر على الشأن الداخلي فحسب، بل شملت تحسين علاقة إثيوبيا بجيرانها الخارجيين، وقام «أحمد» بزيارة تاريخية لإريتريا في يوليو من العام نفسه، لينهى بذلك حالة الصراع بين البلدين والذي خيمت على العلاقات بينهم منذ انفصال إريتريا عن إثيوبيا في تسعينيات القرن الماضي، بجانب سعي «أحمد» لتحسين العلاقات مع دول أخرى بالقرن الأفريقي، كالصومال، وجيبوتي.
أكتوبر 2019: جائزة نوبل
فاز آبي أحمد بجائزة نوبل، في أكتوبر 2019، لإصلاحاته السياسية في البلاد، حيث أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، وهي الجهة المانحة للجائزة، أن اختيار «أحمد» جاء لجهوده في «تحقيق السلام والتعاون الدولي».
سلام هش في إثيوبيا
بجانب ذلك، شهدت إثيوبيا محاولات انقلاب متكررة، كان أبرزها محاولة اغتيال آبي أحمد، في يونيو من عام 2018، حين تم إلقاء قنبلة يدوية على تجمع حاشد في العاصمة أديس أبابا، مما دفع «أحمد» إلى مخاطبة الأمة مرتديًا الزي العسكري.
وفي 2019، قتل قائد الجيش الإثيوبي، الجنرال سياري ميكونين، وضابط آخر، برصاص حرسه الشخصي وسط محاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة إقليم أمهرة.
كانت أولى دلالات هشاشة الإصلاحات السياسية الإثيوبية هي احتجاجات شعبية واسعة، قتل فيها مئات الأشخاص واعتقل الآلاف بعد قتل المطرب هاشالو هونديسا بالرصاص، والذي كان بمثابة صوتًا حاشدًا لشعب الأورومو في الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي سبقت صعود «آبي» إلى السلطة.
وانتشر الجيش خلال الاحتجاجات الذي أعقب وفاة المغني، وقطعت السلطات خدمة الإنترنت لأسابيع، مما دفع جماعات حقوق الإنسان إلى التحذير مرة أخرى من عودة الإجراءات الحكومية القمعية.
سبتمبر 2020: زيادة التوترات في إقليم تيجراي
الأمر لم يقتصر على عرقية الأورومو، بل تشمل ثالث أكبر العرقيات في إثيوبيا وهى التيجراي، كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، أكبر القوى السياسية لعرقية التيجراي، تشعر بالتهميش والاستهداف بشكل متزايد من قبل إصلاحات «أحمد»، بسبب إقصاؤها من الائتلاف الحاكم في البلاد، وسيطرة «حزب الرخاء» حزب آبي أحمد على الحكم.
وكانت جبهة تحرير تيجراي الشعبية جزء من التحالف الحاكم في إثيوبيا، المكون من عرقي الأمهرة والتيجراي خلال فترة حكم الرئيس ميليس زيناوي والذي حكم البلاد منذ أغسطس 1995 – حتى توفي أغسطس 2012، في حكم سلطوي، والفترة التالية لوفاته حتى مجئ آبي أحمد.
وفي أعقاب أزمة كورونا، قامت الحكومة الوطنية في إثيوبيا بتأجيل الانتخابات الوطنية، وتمديد بقاء أبي في منصبه، الأمر الذي نال أعتراض الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي. تحدت منطقة تيجراي، الحكومة الفيدرالية، من خلال إجراء انتخابات محلية، في سبتمبر الماضي، مما أدى إلى الوضع الحالي، حيث تعتبر كل حكومة الآن الأخرى غير شرعية، وتشكل عرقية التيجراي نحو 6.1 في المئة من الشعب الاثيوبي، يعيش أغلبهم في إقليم التيجراي شمال البلاد.
وحذر مسؤولو تيجراي من أن تدخل الحكومة الفيدرالية سيكون بمثابة «إعلان حرب»، لكن آبي أحمد استبعد تدخلاً عسكريًا، ثم زادت الحكومة الفيدرالية من غضب الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بالتحرك لتحويل التمويل إلى الإدارات المحلية في تيجراي بدلاً من حكومة الإقليم.
نوفمبر 2020: حافة الحرب الأهلية
وكانت آخر التطورات، شنت أديس ابابا حملة عسكرية على منطقة التيجراي، في ظل انشغال المجتمع الدولي بالانتخابات الأمريكية، وأعلن «آبي» في الساعات الأولى من صباح 4 نوفمبر أنه أمر الجيش بمواجهة حكومة إقليم تيجراي المسلحة، واتهمها بشن هجوم على قاعدة عسكرية، وقطعت خطوط الإنترنت والهاتف في منطقة تيجراي، وأعلن الجيش الاثيوبي، اليوم، عن تحرير غرب تيجراي.
في المقابل، اتهم بيان على «قناة تيجراي تي في»، الحكومة الفيدرالية، بنشر قوات «لإجبار شعب تيجراي على الخضوع بالقوة»، كما حثت السلطات المحلية في تيجراي، المواطنين في الإقليم على الاستعداد لحالة تعبئة «دفاعا عن أنفسهم أمام عدوان صارخ» من جانب الحكومة الفيدرالية.
وشهد صراع تيجراي في إثيوبيا مقتل المئات وفرار الآلاف إلى السودان، وانتهاكات عدة في مجال حقوق الإنسان، وقد يشجع هذا الصراع جماعات أخرى تسعى للحكم الذاتي، أن تنحو نحو تيجراي.