الإعلام يشهد استقطاباً واسعاً من التيارات السياسية.. والأمير وحكومته هواهم خليجى تماماً هذه الأيام والمعمار يتوسع والبنايات الشاهقة تناطح السحاب فى سنوات ما بعد سقوط صدام، هذه المشاهد الثلاثة حاضرة للعيان تماماً فى دولة الكويت لضيوف قمة مجلس التعاون الخليجى الثلاثين التى اختتمت فعالياتها بعد ظهر الأمس الأول فى قصر بيان الأميرى.
أما المشهد الرابع الذى يهمنا كمصريين هو أنك أينما حللت سواء فى الشوارع أو فى المولات التجارية أو فى المركز الإعلامى للقمة، فلن تسمع أكثر من اللهجة المصرية.. لكن من الصعب جداً أن تعثر على منتج مصرى مميز حتى لو كان قميصاً قطنياً على أرفف أحد المحال فى الكويت.
فى مدخل المركز الإعلامى للقمة خصص المنظمون «ريون» ضخماً لعرض الصحف الكويتية عليه 18 صحيفة يومية و265 مجلة تصدر فى بلد لا يتعدى سكانه الثلاثة ملايين، ورغم أن القراءة الأعلى بقيت لمعظم الصحف التقليدية الكبرى فإن صحفاً جديدة مثل «الجريدة» و«أوان» و«الدار» قد حققت تواجداً ملموساً على الساحة، لكن اللافت وفقاً لإعلاميين كويتيين مستقلين، فإن فتح المجال لتراخيص الصحف قد انتهى بأن سعت القيادات العليا للدولة وكذلك التيارات السياسية والطائفية للتواجد على الساحة من خلال الصحف اليومية، ومن يتابع قصة استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ثم التصويت على كتاب عدم التعاون معه يدرك على الفور طبيعة التيارات التى تدعم كل صحيفة، وما إذا كانت هذه الوسيلة الإعلامية تعتمد منهجاً محايداً أم لا.
فبعض الصحف استبقت جلسة أمس الأول والمقرر خلالها التصويت على كتاب عدم التعاون مع «المحمد» ومن ثم سحب الثقة منه، وفى اليوم التالى من وزير الداخلية بالتأكيد على أن «المحمد» سيحصل على تأكيد الثقة، وأن وزير الداخلية سينجو هو الآخر من الاستجواب، وصحف أخرى هاجمت وبقسوة النائب فيصل المسلم مقدم الاستجواب، أما ما يتعلق بما سماه مقدم الاستجواب مخالفات مالية وإدارية واسعة ومصروفات سرية لمكتب رئيس الوزراء، فقد أفردت صحف أخرى عديدة المساحات الواسعة لها.
ولم تخطف القمة الخليجية، رغم الاستنفار السياسى والأمنى لها، الأضواء من قضية الاستجواب، بل إن جميع الصحف اهتمت أيضاً بمطالبات سياسية وبرلمانية بتعديل الدستور، الذى أتاح لأول مرة فى العالم العربى استجواب رئيس وزراء! تيار واسع فى الشارع الكويتى يتباهى بهذه المسألة، ويقارن هؤلاء بين دستورهم فى صورته هذه ودساتير دول عربية بدأت المشوار النيابى قبلهم بنحو مائة عام تقريباً مثل مصر، ولم يصلوا إلى هذه المرحلة.
يذكر أن الكويت تسبق مصر بنحو 60 درجة تقريباً فى مقياس الشفافية الدولية ومكافحة الفسادة.
لكن الصورة ليست مثالية فى هذا المجال، تماماً فرئيس الوزراء وفريق حكومى عريض ومعه تيار سياسى مستقل دخلوا فى المواجهة، وبالدعوة إلى تعديل الدستور المعطل لمسيرة التنمية، من خلال الاستجوابات الساخنة التى عادة ما تنتهى إما بفض مجلس الأمة أو إقالة أحد الوزراء، أو إسقاط الحكومة نفسها، وثلث الصحف اليومية الموجودة على الساحة الكويتية الآن باتت مؤيدة لهذا التوجه، بل إن بعضها ملتصق إلى حد كبير برئيس الوزراء، ويتردد أنه يمول بعضها فعلياً.
والفضائيات ليست بعيدة عن هذا المضمار، فقد ظهرت وجوه جديدة استطاعت أن تشترى أكثر من قناة قديمة، إضافة إلى إنشاء قنوات أخرى.. بعض هؤلاء الإعلاميين الجدد ينتمون إلى المذهب الشيعى ويتردد أنهم قريبون من إيران ومن محور دمشق- طهران، إلى حد كبير لكنهم موالون ومؤيدون لرئيس الوزراء الكويتى على طول الخط.
وبعيداً عن الإعلام، فقد نجحت الكويت فى تنظيم القمة الخليجية إلى حد كبير سواء بإدارتها للفعاليات وتأمين القمة وضيوفها، أو على مستوى النتائج والتوصيات النهائية المضافة إلى مسيرة العمل الخليجى، فقبيل الانعقاد بأيام، وزعت وزارة الداخلية بيانات شاملة ومصورة للصحف والفضائيات بأسماء المحاور المرورية والطرق التى سيتم إغلاقها فى القمة..
وطوال أربعة أيام هى عمر اجتماعات وزراء الخارجية والقادة، لم تشهد البلاد أى اختناقات، واللافت أنه لا حراسات مشددة أو استثنائية على قصور الحكم.. أو حتى على بيت أمير الكويت، بل إن الإجراءات التى تم اعتمادها مع الوفود الإعلامية فى قصر بيان، حيث مقر انعقاد القمة، كانت هادئة وعملية وبسيطة فى آن واحد، رغم أن الإعلاميين كانوا يجلسون بالقرب من القادة بنحو عشرة أمتار.
أما «إعلان الكويت» الصادر عن القمة فقد تضمن العديد من القرارات الاجتماعية والتعليمية الموحدة، وكان أهم هذه القرارات إنشاء هيئة تدريبية للاعتماد الأكاديمى.. ويحق لهذه الهيئة أن تعمل على تقييم الجامعات، ورصد مستواها دولياً.
وقال المراقبون فى الكويت إن «الهيئة» ستتدخل لمساعدة الجامعات الخليجية ووضع معيار موحد لمستواها.. وفتح المجال للطلاب للدراسة النوعية فى البلدان الستة.
ويرى مراقبون خليجيون أن أمير الكويت كان حريصاً على تقديم إنجاز نوعى جديد فى مسيرة العمل الخليجى يحسب إلى القمة التى ترأسها، وأن هذا الإنجاز متمثل فى عودة العمل فى مشروع العملة الخليجية الموحدة.
كانت الإمارات قد جمدت مشاركتها فى هذا المشروع بعد أن فشلت فى إقناع باقى شركائها الخليجيين بأن تكون أبوظبى مقراً للبنك الخليجى الموحد، وربط سياسيون كويتيون بين تأجيل الجلسة الختامية للقمة أمس الأول لنحو ساعتين، وجهود بذلها أمير الكويت لإقناع رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد بالعودة لـ«العملة الموحدة» مقابل الموافقة على إنشاء «البنك» فى الإمارات.
وناطحات السحاب فى الكويت باتت بالعشرات لدرجة أن برج الإعلام أو برج الإرسال بات متوسط القامة بين هذه البنايات العملاقة، وقال مسؤولون كويتيون إن الأمير بنفسه هو الذى أمر بتغيير القوانين والقرارات، التى كانت تحد من ارتفاع المبانى.
أما المصريون فهم يعملون فى كل المهن بالكويت، ابتداءً من العمل فى المقاهى وامتلاكها انتهاءً بالعمل فى القضاء والمناصب الاستشارية للوزراء.
وكان حجم العمالة المصرية فى الكويت قبيل غزو صدام نحو مائة ألف.. وبعد التحرير، فتحت الكويت أبوابها أمام العمالة الماهرة المتخصصة، ولكن سرعان ما اعتمدت خطة جديدة لاستقدام المصريين بشكل أوسع على حساب العمالة الآسيوية.. ولا توجد إحصائيات رسمية حكومية بالكويت أو لدى السفارة المصرية عن حجم العمالة لكنها تقدر بنحو نصف مليون بينهم 40 ألفاً تقريباً دون أوراق رسمية. واستطاعت هذه المجموعات المصرية أن تخلق واقعاً اجتماعياً واقتصادياً خاصاً بها، وذلك للتواصل فيما بينها وللإنفاق على الحاجات الأساسية فى دولة غنية وغالية.
وتستطيع فى منطقة سوق شرق حيث المطاعم المصرية العديدة والمتراصة، أن تطلب وجبة عشاء تتكون من الكباب والكفتة تكفى ثلاثة أشخاص وتدفع 5 دينارات فقط، أى أقل من مائة جنيه، وهو مبلغ يقل بكثير عن أسعار معظم المطاعم المماثلة فى القاهرة.
ومع وفرة المصريين، تندر المنتجات المصرية، ووسط سوق مفتوحة للبضاعات الهندية والماليزية والسورية، يصعب أن تجد أى ملابس مصرية.