قضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة «فحص» برئاسة المستشار صلاح هلال، نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى ونبيل عطالله، نائبى رئيس مجلس الدولة بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من مهندس بمحافظة الزقازيق على الحكم الصادر بخصم شهرين من أجره لتقاعسه مع آخرين عن اتخاذ الإجراءات القانونية المقررة في حينه حيال تعديات العديد من المواطنين على الأراضى الزراعية بالبناء دون ترخيص بزمام جمعية مطاوع بعزبة أم سعدون بأولاد صقر محافظة الزقازيق.
وقالت المحكمة إن الثابت تاريخياً قوة رابطة الفلاح المصري الأصيل بتراب أرضه الزراعية فهي رابطة بالغة العمق وراسخة رسوخ الجبال لا يزحزحها غاصب وصلبة صلابة الصخر لا يوهن من قوتها معتد أثيم، وإزاء ما تتبوأ به الأرض الزراعية من مكانة عزيزة تضرب في جذورها أعماق نفوس وأرواح المصريين قاطبة يذكيها اختلاط ترابها بدمائهم منذ فجر الحضارة فلا يرتضي المصري في كل الظروف لأرضه بديلا، ليشهد تحقيق آمال وتطلعات المصريين المعلقة بالأرض الزراعية فجراً جديداً يحمل الحفاظ المحمود للأراضي الزراعية، وأن العدوان عليها بالبناء عليها يمثل حصرة تغمر وجوه الزراع تتخللها نظرة مريرة إلى بناء يرتع ربوع أراض تخص أجداد الفلاح منذ عهود الفراعنة، وتصبح المواجهة الحازمة لظاهرة البناء على الأراضى الزراعية بمثابة إعلان عن ميلاد عصر تبدلت فيه طبيعة الأراضي الزراعية تبدلاً وتغولاً جثم على تربتها الخصبة لمساسه بمستقبل أجيال عديدة لاحقة ينال من أهم مصادر الثروة القومية التي لا يجوز التفريط فيها أو المساس بها.
وأضافت المحكمة أن ظاهرة البناء على الأراضى الزراعية تنال من حقوق الدولة التي تتسع اَديمها على رقعتها الزراعية، فضلا عن حقوق المالكين والحائزين للأراضي الزراعية الذين دأبوا طوال سنين عددا يلهثون للنهوض بها زرعاً وحصداً حتى أضحت حقولاً غلباء، فباتت تنخرط في نسيج حيواتهم واختلط ترابها بمعيشتهم وتعلقت آمالهم بغلاتها في مشهدٍ يتجلى فيه عميق انتمائهم بالأرض، لذا فإن العدوان على الأراضى الزراعية بالبناء عليها أو التراخى في التصدى لها من المختصين بالقرى والريف يمثل انتزاعا للروح من الجسد وبتر أواصل ارتباط الفلاحين بأرضهم، فتتداعي آثار اجتماعية وخيمة تمتد بتأثيرها السلبي لتمس حياتهم الخاصة وعموم المجتمع على السواء، بما ينال من استفادة الدولة والفلاح على حد سواء من ثمار تلك الأراضى التي يتيح استغلالها الإدرار عليهم بمدخول مادي وعيني يحفظ للأرض رقعتها وخصوبتها وتجديد غلاتها، ويسهم في تحقيق حياة كريمة لها مردود اجتماعي يتجلى في أبهى مظاهره في إرساء السكينة والاستقرار الأسري والاجتماعي في البلاد.
وأشارت المحكمة أن المشرع قد وضع أحكاماً متجانسة ومترابطة مع بعضها البعض في شأن التخطيط العمراني والتنسيق الحضاري وتنظيم أعمال البناء من أجل الحفاظ على الثروة العقارية والأرض الزراعية والوصول بأعمال البناء إلى التنسيق الحضاري الملائم، كما حظر إقامة أي مبان أو منشآت خارج حدود الأحوزة العمرانية للقرى والمدن أو المناطق التي ليس لها مخطط استراتيجي عام معتمد، أو اتخاذ أي إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي، واستثنى من هذا الحظر حالتين: الأولى الأراضي التي تقام عليها مشروعات تخدم الإنتاج الزراعي أو الحيواني، في إطار الخطة التي يصدر بها قرار من مجلس الوزراء، بناء على عرض الوزير المختص بالزراعة، والثانية الأراضي الزراعية الواقعة خارج أحوزة القرى والمدن التي يقام عليها مسكن خاص أو مبنى خدمي، وذلك طبقاً للضوابط التي يصدر بها قرار من الوزير المختص بالزراعة، واشترط في الحالتين الاستثنائيتين المشار إليهما صدور ترخيص طبقاً لأحكام هذا القانون والزمت اللائحة التنفيذية المهندس المسؤول بالجهة الإدارية المختصة بأن يتولى مسئولية المرور على مواقع الأعمال، ومتابعة ما يجري من أعمال ومدي مطابقتها للتقارير الدورية المقدمة والتراخيص المنصرفة، وعليه إثبات خط سيره ونتيجة مروره والمخالفات التي تكشفت له أثناء المرور في السجل الذي يسلم له، ويكون مسئولا عنه كوثيقة رسمية يدون به بيان المخالفات التي تكشفت له على وجه التحديد.
واختتمت المحكمة: إن الثابت من الأوراق أن الطاعن تقاعس مع آخرين عن اتخاذ الإجراءات القانونية المقررة في حينه حيال تعديات المواطنين على الأراضى الزراعية بالبناء دون ترخيص بزمام جمعية مطاوع بعزبة أم سعدون بأولاد صقر محافظة الزقازيق وهم / محمد إبراهيم حسن وحسن إبراهيم حسن ومحمد تاج الدين وحسن عيد إبراهيم ورضا عيد إبراهيم ورضا خير إبراهيم ومحمد السيد عبدالعال وحسن على إبراهيم وأمين محمد عباس، وهو ما تأكد بشهادة رئيس قسم حماية الأراضى بالإدارة الزراعية بأولاد صقر. وقد كان يتعين على الطاعن مع زملائه التصدى لتلك التعديات بإتخاذ الإجراءات المقررة في شأنها المتمثلة في تحرير محاضر بإثبات حالة التعديات وإخطار الوحدة المحلية بها لإتخاذ الإجراءات المقررة قانونا سيما وأنه منوط به المرور بالناحية واكتشاف ما بها من مخالفات تمثل عدوانا على رقعة الأراضى الزراعية، خاصة في مرفق أشد اتصالاً بحق الدولة في رقابة أعمال البناء متغافلين عن البناء على الأرض الزراعية.