لم ترض بعض التعليقات عن تطرقى لثلاثة موضوعات فى مقالى السابق (3×1)، ورأت أن الأصوب هو إفراد مقال لكل موضوع، وهذا ما جاء فى تعليق القارئة الأستاذة ريهام عبدالعال، بينما رأى الأستاذ سيد لطفى أننا نحتاج إلى التطرق إلى أكبر عدد من الموضوعات التى تشغل بال القراء، وكل التعليقات اشتركت فى انتقاد الأوضاع، فيما عدا تعليق القارئ الأستاذ حازم نبيل الذى طالب فيه الكُتاب بالاهتمام بشرح المفردات السياسية مثل الديمقراطية، والثورة، والحرية لأبناء الشعب البسطاء، وهو عنده حق فى ذلك، فقد ظل معظم أفراد الشعب مغيبين عن الوعى السياسى لعقود طويلة، أما أطرف تعليق فجاء من الأستاذة رانيا فؤاد، التى قالت فيه «إنه من الواضح أن الصناديق سوف تظل تسيطر على الوضع فى مصر سواء كانت صناديق انتخابية أو صناديق التأمينات أو صناديق التبرعات» ولكنها نسيت الصندوق الأسود، وعلى رأى عم عثمان «سرقوا الصندوق يا محمد لكن مفتاحه معانا»، وسوف آخذ برأى القراء مجتمعين، مقترباً لرأى الأستاذة ريهام دون تجاهل لرأى الأستاذ سيد، ومؤيداً لطرح الأستاذ حازم.
وكنت قد كتبت مقالاً فى «المصرى اليوم» فى نهاية عام 2007 بعنوان «ثورة المصريين» ذكرت فيه: «نحن نظلم الشعب المصرى حين نصفه بالجبن، والصحيح أنه شعب لا يثور دون سبب لأنه شعب متحضر وإن لم يكن كله متعلماً، وهو عندما يثور لا يتقيد بزعماء من طائفة معينة، فقد سبق أن منح القيادة لأرباب السجاجيد من المتدينين عام 1795، وقام خلف زعمائه السياسيين عام 1919، والتف حول ضباطه من العسكر عام 1952، فزعامة الثورات لم ولن تقتصر على طائفة أو حزب أو دين» ..
وقام الشباب من كل حزب وفئة ودين بثورة 25 يناير، ومن ورائهم الجماهير، ونجحت الثورة فى إسقاط النظام، وبقى أن يتم التغيير، فالثورة تندلع لإسقاط نظام وتغيير واقع لا ترضى عنه الجماهير، وكلنا نريده تغييراً للأفضل، والتغيير للأفضل يستلزم سياسيين واسعى الأفق من الذين قال عنهم أفلاطون «أرهفت المرانة العقلية إدراكهم، وقوَّت ملكتهم على تفهم الحياة الطيبة، وجعلتهم قادرين على التمييز بين الغث والسمين، والمفاضلة بين الوسائل المناسبة وغير المناسبة لتحقيق الخير للمجتمع» كما يستلزم فى الوقت ذاته قوى شعبية تندمج فى وضع رؤى التغيير بنفسها، فالجهد المشترك هو أفضل الوسائل لإعداد المسائل العامة، وهو الضمانة لأن تكون عملية التغيير وثيقة الاتصال بكيان الفرد وحرياته وحقوقه العامة، والإصلاح عملية ليست يسيرة،
تبدأ بالتوافق على المفاهيم من خلال حوار وطنى عام، فمن غير المتصور الاكتفاء بالنخب السياسية - مهما صلحت - فى هذه العملية دون أن يكون الشعب طرفاً أصيلاً فيها، وبعد الوصول إلى حالة من التوافق والرضا العام حول مفاهيم التغيير والإصلاح - وهذا ما لم يحدث إلى الآن - يتم وضع الأجندة وتحديد وترتيب الجدول الزمنى اللازم لها، هنا فقط ينتهى دور «الثورة»، ويبدأ دور «الدولة» ومؤسساتها، ولحين حدوث ذلك ستظل الثورة قائمة والخلافات أيضاً، وسأظل مثلى مثل باقى أفراد الشعب لدى كل منا قناعته الشخصية، حول أمور مُختلف عليها، فأنا أرى - مثلاً – وضع الدستور أولاً، ثم إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية تالية عليه وليس العكس، وأرى ضرورة التوافق على أجندة «التغيير والإصلاح» ابتداء «من خلال حوار وطنى موسع»،
ثم تحديد الجدول الزمنى لاحقاً عليها، وأنا، وإن كنت أرى أن الفضل يعلو فوق العدل فى التعاملات بين البشر، فأنا أرى أن العدل يأتى أولاً فيما يخص الوطن، ثم العفو - بعد رد المظالم - إن شاء الشعب يأتى تالياً، والثورة وإن كانت لم تنتج التغيير المنشود بعد، إلا أنها نجحت نجاحاً منقطع النظير فى إسقاط النظام، والقضاء على تأبيد السلطة والتوريث، والقضاء على عهد كان فيه الخضوع لسلطة الحكام وليس لسلطان القانون، فلا تظلموا الثورة على عدم التغيير، فنحن المسؤولون، وقد كتب أفلاطون قبل الميلاد لأتباع ديون فى صقلية كتاباً قال فيه «لا تَدَعوا صقلية ولا أى بلد آخر يخضع لسادة من البشر، ولا تدعوهم يخضعوا لغير القانون، ذلكم هو مذهبى، واعلموا أن الخضوع شر على كل من السادة والمسودين، عليهم جميعاً وعلى أولادهم وأحفادهم وذراريهم».. وأكدت الثورة صدق أفلاطون.