x

عادل نعمان لأنهم ينسخون القرآن بالسنة عادل نعمان الخميس 29-10-2020 02:35


قلنا فى المقال السابق إن هؤلاء قد تجاوزوا آيات محكمات فى القرآن، واحتكموا إلى مرويات فى كتب التراث، وأحاديث ضعيفة، ونسخوا بها أحكاما قرآنية قطعية الدلالة والثبوت، منها ما يتناقض مع العلم والعقل، وما يتعارض مع القرآن، واستشهدنا فى ذلك بحكم من يؤذى النبى بالقول أو بالفعل أو بالرسم أو الشعر، كما جاء حكمه فى القرآن: «ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون، فسبح بحمد ربك وكن من الشاكرين»، وتركوا هذا الحكم جانبًا وأخذوا بروايات صادمة تؤذى الله ورسوله والعقلاء من المسلمين، واستندوا إليها فى قتل من سب النبى أو عابه أو ألحق به عيبا أو تمنى له مضرة حتى لو تاب وأناب، واعتبروا قتله واجبا على كل مسلم عاقل مكلف دون استتابة أو توبة، وكان سندهم حكايات فى كتب السير والأحاديث منها قتل كعب بن الأشرف، وعصماء بنت مروان، وفاطمة بنت ربيعة «أم قرفة» بأمر من النبى ومباركة منه، ودعائه لمن قام بمهمة القتل، وتهليل وتكبير المسلمين بعد نجاح كل سرية، وحتى يتمكن هذا التراث وهذه الحكايات والمرويات من الدين، فكان رأى أغلب أهل العلم، وحذاق الأئمة والفرق الإسلامية أن «السنة تنسخ القرآن، وأن القرآن فى حاجة إلى السنة، وأن السنة ليست فى حاجة إلى القرآن»، ونستثنى من هؤلاء الإمام الشافعى والقليل منهم قالوا «لا ينسخ القرآن إلا القرآن»، والنسخ هو إلغاء حكم شرعى بحكم شرعى آخر. وقد استند أنصار فريق النسخ إلى القرآن ذاته «وليس هذا السند فى محله من وجهة نظرى»، وذلك بالآية: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، وللأسف كان سبب نزول هذه الآية لحكم خاص آخر، والآية: «ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم»، على أن المراد بالذكر هنا «السنة»، وهو رأى ليس على صواب، فالذكر هو الوحى من عند الله، والآية أيضا: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم»، والآية مجراها وسردها مختلف تماما، وكذلك اعتبروا أن السنة «وحى من عند الله» لقول الله: «وما ينطق عن الهوى»، وهذا خروج عن السياق القرآنى، والمقصود هنا «ما ينطق به النبى عن الله فقط هو الوحى»، وهذه الآيات جميعها تم وضعها فى سياق مخالف لسبب النزول، مما يجعل سندها لهذا الأمر غير جائز، وهذه الأسانيد من القرآن ذاته «التى مالوا إليها» قد شملها تطبيقات عملية نسخوا بها أحكاما فى القرآن، على النحو التالى:

أولا: حكم الوصية للوارث، وكان حكمها فى القرآن: «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف»، وقد نُسخت بحديث للرسول: «لا وصية لوارث» ونسخ الحديث الحكم القرآنى، على الرغم من فرضه فرضا كالصيام، «كتب عليكم» وهو أمر وإلزام، والوصية كانت للأقربين والوالدين وغيرهم، سواء من الورثة الشرعيين أو غيرهم حسب الحاجة حال حضور الموت أو قبل.

التطبيق الثانى: نسخ آية الجلد «والزانى والزانية فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» بآية أخرى ليست فى القرآن «الشيخ والشيخ إذا زنيا فارجموهما البتة»، وقالت السيدة عائشة «إن الداجنة» الماعز «قد أكلت الصحيفة تحت سريرها أثناء انشغال المسلمين بموت النبى»، وأصبح لزاما على المسلم ترك حكم قطعى الدلالة والثبوت فى القرآن بحديث ظنى الثبوت عن عمر بن الخطاب وهو: «لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ما أجد الرجم فى كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله، وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف»، فإذا كان ما قاله عمر وعائشة صحيحا، فما منع عثمان بن عفان من كتابتها فى مصحفه، وكان من اللازم أن تكون الرواية قد وصلته من عائشة قبل أن تصل عمر، أو تصله من عمر قبل أن تصل للبخارى؟ فما يا ترى سبب ذلك؟

التطبيق الثالث: نسخ آية الرضاع من عشر رضعات إلى خمس: قالت السيدة عائشة: «إنه كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات يحرمن، ثم نسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن»، وتوفى الرسول «ص» وهى «آية العشرة تتلى وتقرأ فيما يقرأ من القرآن»، والأمر يعنى أنه قد خفى على الناس هذا النسخ وهذا الحديث، ولم يصلهم حديث الرسول عن خمس رضعات، فظل الناس يتلون آية العشر ويعملون بها، وتأخر الأمر وتأخر النسخ لعدم علمهم، وهنا يدور كثير من التساؤلات، أهمها: وأين «آية العشرة» التى كانت تتلى على السنة المسلمين بعد وفاة النبى؟ وكان من الحق أن تُنسخ حكما وتبقى تلاوة كما قسموا النسخ إلى أنواعه.

مبدأ نسخ السنة للقرآن أمر عجيب ومحير، فإذا ما عرفنا أن الأحاديث منقولة على المعنى وليس على الحرف، وبعد قرنين من الزمان، والمرويات «الحكايات» عن النبى عن ألسنة البعض قد صُنفت وبوبت أحاديث عنه، يصبح كل ما نراه الآن من قتل ومن غل ومن انتقام، ومن تصفية حسابات، وسفك الدماء عن رسم أو شعر عمل بشرى لا يمت لدين من عند الله بصلة، وأن حكايات كعب بن الأشرف وعصماء بنت مروان وأم قرفة سند هذه الجماعات فى قتل من رسم صورة عن النبى على ما نراه الآن، كارثة أحلت بنا وجب الاعتذار عنها، بطول تاريخنا الانتقامى المكذوب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية