x

فى حياة كل منا (ثروت عكاشة)

الأربعاء 16-12-2009 00:00 |

رجل نحمل الدهشة حينما نتأمل مشواره!! رجل أمسك بتلابيب الثقافة والفن والسياسة، وجعل منها معماراً وعمارة يسكنها كل الناس.

إنه يسكن ناس مصر سواء وجدانياً عن طريق رعايته وفتحه بوابات الفنون أو معرفياً لمؤسساته الثقافية التى دعمها فأصبحت حقائق لا غنى عنها فى حياتنا.

لم يستسلم لنشوة الوزارة ولكنه ثقف الوزارة، وحينما تركها كأنما أحس بقدراته الكامنة فبدأ استثمار نفسه لصالح ناس الوطن.. ألّف وترجم وأطل على ثقافات ونهل منها ونقل لنا.. من منا لم يقرأ أحد كتبه؟.. من منا ليس له علاقة بأكاديمية الفنون، تلك الشجرة الوارفة والمظلة القوية التى تجمع كل الفنون، من رفيعة وشعبية وتراثية.. علاقة ابن يدرس أو بنت تعلم.. أو خريج يعمل.. أو جار يعلم؟

من منا لم يستمتع بفرق الموسيقى العربية..؟

من منا لم يسبح مع باليهات الفرقة المصرية فى الخيال؟

من منا لم يستمع إلى الأوبرات الغربية وشاهدها على المسرح وكأنه يشاهدها فى بلادها الأوروبية؟

من منا لم يذهب إلى أى قصر من قصور الثقافة بطول مصر وعرضها؟ وقرأ ورسم ومارس هواية ما؟

من منا لم يستمتع أولاده بالدهشة من ألعاب السيرك القومى؟

من منا لم ينبهر بنقل معبد أبوسمبل عند إنقاذه من الغرق بعد بناء السد العالى ليرتفع موقعه ستين مترا وتظل معجزة شروق الشمس على وجه الملك رمسيس زائدة يوما واحدا؟!

من منا لم ينبهر ويتعجب بفنون العالم وفكره عبر كتبه التى تخطت الأربعين كتابا فى كل فروع الفن والمعرفة؟

من منا لم يعبر فارس عبر «شاهنامة» ثروت عكاشة؟

من منا لم يقرأ ويتذوق «فن الهوى» لثروت عكاشة؟

كثير لا يمكن إحصاؤه أو مساحة كتبه.. إننا نخجل من جمعه.. إنه الجامع المانع للثقافات والفنون!

لم يترجم وينقل لمجرد النقل والترجمة.. بل ترجم ونقل بحس مرهف شديد الولع بفن توصيل المعرفة إلى الناس.

أحس بحاجة الفنان للتفرغ فأصدر قرار التفرغ ليخرج إلينا الأديب بما جادت به قريحته، ويطلع علينا الفنان بما أبدعت ريشته.

اكتشف أن الثقافة ليست وزارة لكى يدين بوجودها ويدعمها ويوصلها للناس.. ليست وزارة يكلف بها ويقسم اليمين أمام رئيس الجمهورية.. وإنما التكليف جاء من داخله بإحساسه بلذة العطاء الثقافى.

هذا الرجل حول وطنيته فى كل مراحل العمر بما يناسب كل مرحلة، ففى فتوة الشباب كان عطاؤه دراسة الاستراتيجية العسكرية، التى نال عليها أعلى وسام من الملك فاروق.. وشارك فى حرب فلسطين مدافعا بالروح والدم.

ثم تحرك العقل من أجل الوطن فشارك فى ثورة يوليو ووقف مفتح العينين، شاخص العقل لساعة الصفر فى سلاح الفرسان.

وظل العطاء يتنامى ويتدفق داخله ويوظف قدراته حتى تحول إلى نهر يتدفق بالثقافة، وخزانة فكر تحافظ على تراث الوطن، ومعبر إلى فنون العالم يوصلها كرى دائم لناس الوطن.. حتى أصبح فى حياة كل منا ثروت عكاشة.. جرعة عالية من السعادة أحس بها د. ثروت عكاشة وهو يكرم فى حفل الوفاء الذى أقامه له أحد أبنائه المحافظين على درة إنجازاته، وهو مشروع الصوت والضوء.. حفل أقامه اللواء مهندس عصام عبدالهادى، رئيس شركة مصر للصوت والضوء والسينما.

حاولنا نحن عارفى فضله أن نقطف من عقولنا قطوفاً مما زرعه فينا، لنهديها له كلمات اعتراف بما زرع.

كان الحفل كله باقة وفاء أدارها بحب المهندس عصام عبدالهادى، الذى يدير الآن ذلك المشروع، الذى أنطق الحجر وجعل التماثيل الصماء والبنايات الشامخة تتكلم ويجرى الضوء عليها مظهراً ما دار بها من حكايات الزمان.. كل سائح حول العالم هو موصل جيد لمصر بعد مشاهدة حكايا الصوت والضوء.

لقد استطاعت الشاعرة الكبيرة الدكتورة سعاد الصباح أن تقيم له تكريماً شديد الذكاء والروعة يليق بهذا الرجل الاستثنائى.. لقد قدمت كتاباً موسوعياً يضم أعماله وآراء كوكبة من المفكرين والكتاب فيه، وأطلقت عليه «وردة فى عروة الفارس النبيل»، العمل سفر كأنه تفريغ لما قام به هذا الرجل الموسوعى العظيم وطُبع طباعة فاخرة.

ترى هل تستطيع الهيئة العامة للكتاب، وهى من غرسه وإحدى مؤسساته الثقافية.. هل تستطيع أن تصدر طبعة متواضعة للشباب من هذا الكتاب؟ لعله يكون مثالاً يحتذى به لشبابنا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية