أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- أمس الإثنين- اقتراب رفع السودان من قائمة الدول لراعية للإرهاب، مشيرا إلى أن السودان على استعداد لدفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب وعائلاتهم، الامر الذي سيترتب عليه رفع اسمها من قوائم الإرهاب فوراً، بعد أن ظلت الخرطوم في تلك القائمة لأكثر من 23 عام.
وتشهد العلاقات السودانية الأمريكية توتر منذ ما يقرب من 30 عام، منذ تولى الرئيس السوداني السابق عمر البشير سده الحكم، وطوال عهد «البشير» توالت العقوبات الأمريكية على السودان على خلفيه قضايا مختلفة منها دعمها للجماعات المتطرفة، ومنها ما هو مرتبط بجرائم الحرب والنزاعات المسلحة في دارفور وجنوب السودان.
وتنقسم العقوبات على السودان إلى نوعين الأولى عقوبات اقتصادية، -تم رفعها في مارس الماضي- والثانية هي وضع الخرطوم على قوائم الدول الراعية للإرهاب، وحال رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب ستطوي بذلك صفحة العقوبات الامريكية على السودان، وتدشن عهد جديد بين العلاقات الامريكية السودانية، مما يكون له بالغ الأثر على إنعاش الاقتصاد السوداني.
ونستعرض فيما يلي أبرز العقوبات والإجراءات الأميركية التي طالت السودان منذ تولي «البشير» إلى الأن.
عهد البشير
الامر يبدأ منذ وصول الرئيس السابق عمر حسن البشير لسده الحكم في السودان عام 1989، عبر انقلاب عسكري على الحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي، ويدشن عهد ملئ بالصراعات في كافة أرجاء السودان، مما كلف البلاد خسائر في الأرواح، وأرهق الاقتصاد السوداني بالعقوبات.
وكان معروف نظام البشير بانتمائه للإسلام السياسي، واحتضانه للحركات الإسلامية، الأمر الذي كلف الخرطوم الكثير، وفي 1991 استضافت السودان زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الامر الذي دفع وزارة الخارجية الأمريكية في أغسطس عام 1993، لإدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستجابة للضغوطات غادر بن لادن السودان لاحقا في عام 1996.
وفي ذات السياق أوقفت الولايات المتحدة عمل سفارتها في الخرطوم في عام 1996، لكن اعادت فتحها من جديد في 2002، بعد تحسن طفيف في العلاقات بين البلدين بعد أحداث 11 سبتمبر.
لكن الخطوة الاخطر كانت في نوفمبر عام 1997، حين أصدر الرئيس الامريكي الأسبق «بيل كلينتون»، قراراً تنفيذياً يقضي بفرض عقوبات مالية وتجارية على الخرطوم، ليتم تجميد الأصول المالية السودانية بأمريكا، ومنع تصدير التكنولوجيا الامريكية للسودان، وبموجب القرار منعت الشركات الامريكية والمواطنون الامريكيون من الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع الخرطوم، الامر الذي كلف السودان الكثير، بجانب اقتصادها الهش.
العقوبات لم تقف عند الحد الاقتصادي وحسب، بل تعدت لتصل لتنفيذ عمليات عسكرية، ففي أغسطس 1998، شن سلاح الجو الأميركي، هجوماً صاروخياً، على مصنع للأدوية في الخرطوم، مملوك لرجل أعمال سوداني، بحجة تصنيعه أسلحة كيميائية، وذلك عقب الهجوم على سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي بكينيا ودار السلام بتنزانيا.
عقوبات ما بعد 11 سبتمبر
وعقب احداث 11 سبتمبر 2001، وقع السودان والولايات المتحدة اتفاقاً للتعاون في محاربة الإرهاب، لكن ذلك الأمر لم يؤثر على ملف العقوبات، وتواصلت الإجراءات الأميركية ضد الخرطوم، لكن هذه المرة من خلال تشريعات أصدرها الكونغرس، ففي عام 2002، أصدر الكونجرس الامريكي «قانون سلام السودان»، والذي ربط العقوبات الأميركية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان -جنوب السودان-.
وفي عام 2006 على خلفيه الانتهاكات الواسعة في إقليم دارفور، فرض الكونغرس الأميركي عقوبات ضد «الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، فيما عرف بـ “قانون سلام دارفور«، كما وسع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن من دائرة العقوبات، بقراره بالحجز على أموال 133 شركة وشخصية سودانية.
يذكر أن العقوبات لم تكن أمريكية بحسب، وفي 2008، أصدر المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو مذكرة توقيف بحق عمر البشير في قضية دارفور وذلك لاتهامات بأنه ارتكب جرائم حرب.
ورغم التقدم الذي أحرزته السودان في المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان الذي أسفر عن استفتاء انفصلت بموجبه جنوب السودان عام 2011، لكن لم ترفع العقوبات على الخرطوم، وتوالى تجديد العقوبات على السودان، خاصة في ظل عدم حل أزمة دارفور، واستمرار ارتباط السودان بالإرهاب، واحتفاظها بعلاقات جيدة مع إيران.
بوادر التقدم في ملف العقوبات بدأت في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حين قام في فبراير 2015، بخفيف العقوبات على السودان، سامحاً للشركات الأميركية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية، وبرمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
انفراجه في العقوبات الاقتصادية
الانفراجه الملموسة بدأت بعد مرور 20 عام من العقوبات الاقتصادية، حين أعلن البيت الأبيض في أواخر ولاية أوباما في يناير 2017، عن رفع جزئي لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، نتيجة «للتقدم الذي أحرزه السودان»، لكن الإدارة الأميركية أبقت السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
ووعدت الإدارة الأمريكية برفع كامل للعقوبات على السودان، حال التزامها بما سمتها «الأعمال الإيجابية»، الأمر الذي تحقق في أكتوبر من نفس العام حين أعلنت الإدارة الامريكية، عن رفع كافة العقوبات الاقتصادية على السودان، لكن القرار شهد تباطؤ في عملية تنفيذه.
الثورة وعهد جديد
وفي ديسمبر 2018 اندلعت احتجاجات سودانية على غلاء الأسعار وتدهور المعيشة، سرعان ما ارتفع سقف المطالب، لإصلاح سياسي وتغيير النظام، بالتزامن مع احتجاجات مماثلة في الجزائر، فيما عرف بالموجه الثانية للربيع العربي، وفي 11 إبريل 2019، أعلن الجيش خلع الرئيس عمر البشير عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة انتخابات لنقل السلطة، الامر الذي سطر تاريخ جديد للدولة السودانية.
وفي مارس الماضي قررت وزارة الخارجية الأميركية إنهاء كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان، وأشار محافظ بنك السودان المركزي، بدر الدين عبدالرحيم إبراهيم، حينها أنه تم رفع العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية، ولم يتبق ضمن العقوبات سوي بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث في دارفور.
ويعياً لتعزيز السلام في السودان، ووقعت الحكومة السودانية في 3 أكتوبر الحالي، اتفاق سلام مع عدة جماعات سودانية متمردة، بهدف إنهاء الصراعات المسلحة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، مما يساهم في إزالة العقوبات المرتبطة بالصراع في دارفور.
التغريدة الاخيرة
وفي 19 أكتوبر 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اقتراب رفع السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، خلال تغريدة له على موقع تويتر قائلاً إن «حكومة السودان الجديدة التي تحرز تقدما هائلا، وافقت على دفع 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب وعائلاتهم».
ووعد ترامب بأنه «فور الدفع، سوف أشطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب». وتابع «وأخيرا، العدالة للشعب الأميركي، وخطوة كبيرة للسودان».
الإجراءات التالية لرفع السودان من قوائم الإرهاب
ووفقا للقانون الأميركي، فإنه يستوجب على الرئيس الأمريكي إخطار الكونغرس بالقرار، ليكون امام الأخير 45 يوما لمراجعته، ولا يحتاج القرار لتصويت، ويصبح القرار ساري حال عدم الاعتراض عليه، لكن في المقابل يمكن للكونجرس إيقاف القرار بفيتو من الكونجرس بغرفتيه النواب والشيوخ.