اقترف أحدهم خطأ ووجب تنبيهه أو تأديبه أو عقابه، هل تناقشه؟ أم تلومه؟ أم تمسك فى خناقه؟ أم تفتح عليه مطواة؟ أم ترفع الأمر للقضاء؟ أم تذبحه؟ فى كل خيار مما سبق، ستجد من يصفق له ويُثنى عليه، أو من يلعنك وينتقد ويعترض. لذلك، فإن ردود الفعل على «جريمة» ذبح المعلم الفرنسى فى باريس، والمشتبه فيه شاب شيشانى لاجئ (18 عاماً) تعكس ما سبق. هناك من يؤمن أن الأسلوب الأمثل للتعامل مع من «أهان دينه وأنبياءه ومعتقده» أن يفصل رأسه عن جسده، أو يغرس سكيناً فى قلبه. وهناك من يرى أن الطريقة المثلى هى اللجوء للقضاء. وفريق ثالث يؤمن بأن تصحيح الإهانات لا يتم إلا عبر تصحيح المفاهيم. المدرس الفرنسى استفز مشاعر المسلمين؟ نعم! المدرس خرق القانون بعرضه رسوماً مسيئة لسيدنا محمد (ص)؟ لا أدرى، فربما يكون ما فعله قد أخل بما نص عليه مجلس شورى الدولة الفرنسى من موجبات تتمثل فى «رفض التصرفات التى قد تسىء إلى كرامة التلميذ أو أحد أعضاء الجسم التعليمى» وربما تسبب فى «اضطراب سير النشاطات التعليمية أو أخل بالنظام فى المؤسسة أو إعاقة حسن سير العمل فيها على نحو طبيعى».
القانون الفرنسى فتح باب الهجرة واللجوء لأشخاص ينتمون لثقافات ومعتقدات مختلفة؟ نعم. القانون الفرنسى يعتبر القادمين الجدد أحراراً فى استمرار اعتناق ما يرونه مناسباً؟ نعم، بشروط، وتتمثل فى عدم الإخلال بالنظام العام الذى أرساه القانون. نظام الدولة فى فرنسا يعتبر الدين أداة من أدوات أو شريكاً من شركاء الحكم؟ لا. النظام فى فرنسا علمانى وفى الوقت نفسه «يضمن استقلالية الخيارات الروحانية أو الدينية التى لا سلطة لها على الدولة، كم أن ليس للأخيرة سلطة عليها». وبحسب «تطبيق مبدأ العلمانية» فى الوثائق الرسمية الفرنسية فإن «الإسلام، كونه الدين الأحدث توطنا فى فرنسا، يصّور أحيانا على أنه غير قابل للتماشى مع العلمانية، بيد أن الفقه الإسلامى أنتج فى أوج عصره فكراً خلاقاً حول العلاقة بين السياسة والدين والتيارات الأكثر عقلانية التى كان ينطوى عليها كانت ترفض الخلط بين السلطة السياسية والسلطة الروحية. ويمكن للثقافة الإسلامية أن تنهل من تراثها ما من شأنه أن يتيح لها التكيف مع إطار علمانى، كما أن من شأن العلمانية أن تسمح بتبلور ثقافى كامل للفكر الإسلامى بمعزل عن قيود السلطة». لكن أغلب الظن، أن الوضع فى العقد الأخير قد تغير كثيراً. فالخلط بين حرية المعتقد وحرية النمو السرطانى للعنف وربطه بالمعتقد تؤتى أكلها. وحوارات الأديان والثقافات هى والعدم سواء. فهؤلاء لا يفهمون سر غضب أولئك، وأولئك غارقون حتى الثمالة فى جمود وإنكار. وأخيراً، وليس آخراً، حرية المعتقد والتعبير والذبح واللجوء تحتاج شرحا وتفنيدا وإعادة تعريف.