x

فاطمة ناعوت العتبة الجميلة.. مازالت مخطوفة! فاطمة ناعوت الخميس 15-10-2020 02:56


فى يوليو ٢٠١٩، وصلنا، عبر بريد جريدة «المصرى اليوم» خطابٌ محترم من اللواء خالد فوزى، مساعد وزير الداخلية لقطاع الإعلام والعلاقات، يؤكد أن هناك تفاعلا بين شكاوانا كمواطنين وكتّاب صحفيين، وبين أجهزة الدولة التى تتحرك فورًا لإصلاح أى خللٍ يشوّه لوحة الجمال فى مصر البهية. جاء فى الخطاب ما يلى:

(بالإشارة لما نشرته صحيفتكم الموقرة بعددها الصادر بتاريخ ١١ الجارى متضمنًا مقال الأستاذة/ فاطمة ناعوت تحت عنوان: «سيادة الرئيس … أنقذْ لنا مجمّع مسارح العتبة» انتقدت فيه انتشار الإشغالات بنطاق مجمع مسارح ميدان العتبة بالقاهرة، وطالبت بتكثيف الحملات الأمنية لإزالة تلك الإشغالات. نودُّ الإحاطة بأن مديرية أمن القاهرة قامت بتوجيه العديد من الحملات الأمنية بالمنطقة محلّ الشكوى لضبط كافة المخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.. وقد أسفرت جهود تلك الحملات خلال الآونة الأخيرة عن الآتى:

رفع (٢٢٥) حالة إشغال طريق.

تحرير (١٠) محاضر إشغال طريق.

تحرير (٥١) محضر بائع متجول بدون ترخيص.

تنفيذ (١) غلق إدارى.

كما نود الإشارة إلى أن أجهزة وزارة الداخلية لا تدخر جهدًا فى مجال توجيه الحملات الأمنية لضبط كل ما يشكّل مخالفة. وتفضلوا سيادتكم بقبول وافر الاحترام).

انتهى مضمون الخطاب الرسمى الجميل، الذى كان ردًّا عمليًّا على مقال وجهتُه للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يعمل ما يفوق المستحيل حتى تتزيّا مصرُ بثوب الجمال والصحة والتحضّر الذى يليقُ باسمها العريق. جاء فى مقالى: (يا سيادة الرئيس، أعلمُ تقديرَك للدور الخطير الذى تلعبه القوى الناعمة فى إعادة بناء العقل المصرى. ولا أنسى مقولتَكَ لنا فى أحد لقاءاتنا بك: (أنتم، المثقفين، قاطرةُ النهوض بالمجتمع). لهذا أرفع إليك شكوى مثقفى مصر، من الحال المُذرية التى آل إليها مجمّعُ مسارح العتبة: (القومى- الطليعة- العرائس). إشغالاتٌ عشوائية يستحيل معها وصول سيارة إطفاء للمسرح، لو نشب حريقٌ، لا سمحَ اللهُ. وبلغت من القبح مبلغًا يؤذى الناظرين. أسلحةٌ بيضاءُ تُباع أمام مسرح يرتاده الأطفال! تحرّشٌ بالفنانين فى الدخول والخروج! وتشوّهات فى بقعة تُعتبر مزارًا سياحيًّا رفيعًا؛ كونه معقلًا ثقافيًّا يضمُّ مسارحَ عريقةً وجليلة وقف عليها فنانون عظماءُ ليقدموا روائعَ أريستوفانوس وسوفوكليس وشكسبير وبريخت!).

واليوم أكتب هذا المقال الجديد لسببين: أولًا لأشكر مكتب السيد وزير الداخلية على استجابته لاتخاذ ما يلزم فور نشر مقالى فى يوليو ٢٠١٩، بتنقية مجمع المسارح من التشوه والإشغالات، وثانيًا، لأقول بمنتهى الحزن والأسى إن الإشغالات عادت تخنقُ مجمع المسارح الثلاثة على نحو بشع لا يليق بمصر العريقة، ولا بمصر الجديدة التى نبنيها اليوم لتغدو عروسَ العالم. ولأننى أعلم حرص القيادة السياسية على إنشاء جيل مصرىّ واعٍ يرسمُ غدًا أجمل لمصرَ. لهذا أضعُ من جديد على مكتب السيد وزير الداخلية المشحون بالهموم والتحديّات، ملفَ «مجمع المسارح» بوصفه: «عاجل: قضية أمن قومىّ».. لأن قلبَ مصرَ، وعقلَها، وقوتها الناعمة، بل شرفها ذاته، مغروسٌ بقسوة فى كفِّ الخطر!.

يا دولة الوزير، الأمرُ ليس جديدًا بل يمتدُّ لأكثر من خمسة عشر عامًا. جميع من مرّوا بنا من وزراء ثقافة، كافحوا لحلّ تلك المشكلة. بعضهم نجح برهةً من الزمن، ثم تعود المشكلة من جديد. عام ٢٠١٥، مع إعادة افتتاح المسرح القومى، نجح المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء آنذاك، ومحافظ القاهرة د. جلال السعيد، فى إزالة الإشغالات وتنظيف المنطقة بالكامل. ثم عاد الأمر سيرته الأولى بعد برهة من الزمن!.

واليوم من جديد، أرفع شكوانا، جموع مثقفى مصر، لمناشدة السيد رئيس الوزراء، والسيد وزير الداخلية، والسيد وزير التنمية المحلية، والسيد محافظ القاهرة، لإنهاء تلك المهانة الحضارية على نحو نهائى، لا يُعيد إقحام تلك المشاهد القبيحة فى إطار لوحة بديعة فائقة الجمال: مجمع مسارح العتبة. بوسعنا إيجاد مكان آخر للباعة فى منطقة أخرى، حتى لا نقطع أرزاقهم.

يا صُنّاع القرار فى مصر العظيمة، جميعنا نعلم أن المسرح ليس مكانًا للترفيه، بل «أداة» خطرة تعلو بالعقل الجمعىّ للمجتمع. لهذا قال قسطنطين ستانسيلافسكى: «أعطنى الخبزَ والمسرح، أُعطك شعبًا مثقفًا». فالخبزُ لعيش الجسد، والمسرح لحياة العقل والروح. الخبزُ يجعلنا «نعيش»، والمسرح يجعلنا «نحيا». الخبزُ دون مسرح يضمن عَيشَنا، والمسرح يجعلنا كائناتٍ ممتازة تفكّر وتبتكر وتتطوّر وتحبُّ وتنهض بالمجتمع. فننتقل من خانة المستهلِك إلى خانة المنتج، وهى الخانة العليا للإنسان. الفنون الرفيعة ليست ترفًا، إنما هى سيفٌ ماضٍ لمقاومة أدران المجتمعات، ومشعلٌ مضواء لإنارة بقاع الظلام فى النفوس والعقول، ومدرسة لتعليم ما فاتنا تعلّمه على مقاعد الدرس من قيم ومبادئ.

«الدينُ لله.. والوطنُ لمن يعلو بالوطن».

twitter:@fatimaNaoot

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية