x

بين عالمين: سحر الأدب الروسى وعراقة الأدب المصرى

الجمعة 09-10-2020 22:50 | كتب: اخبار |
الكاتب الروسى دوستويفسكى - صورة أرشيفية الكاتب الروسى دوستويفسكى - صورة أرشيفية تصوير : اخبار

يقول دوستويفسكى في رواية الفقراء: «الأدب شىءٌ عظيم يا فارنكا، شىءٌ عَميق، يثبّت القلب ويثقّف العقل. الأدب أشبهُ بلوحة أو مرآة، يجدُ فيهِ المرء أهواءً وتعبيراً ونقداً مرهفاً وتعاليمَ تقوّم الأخلاق».

عاشقة أنا للكتب والسفر، والتعرف على الثقافات والحضارات الجديدة والبعيدة، والكتب خير سفير لهذه الثقافات شديدة الأصلة والتفرد، فمعها أسافر من بلد إلى بلد ومن حضارة إلى حضارة، وعبرها أكتسب الخبرات، وأرتشف من نبع الثقافات، وأصنع عالمى الخاص، الملىء بالعجائب والغرائب، والمعلومات، وتاريخ الأمم وفنونها وآدابها.

الكتب هي العصا السحرية التي منحتنى حياة موازية، بجانب حياتى الروتينية الرتيبة، وفتحت عينى على عوالم وأحداث كنت أجهل كل شىء، بل أدخلتنى عالم الثقافة والمثقفين، وفتحت أمامى أبواب كنوز الأرض، وجعلتنى أسافر وأنا في موضعى، إلى باريس أرض النور والجمال، والهند أرض الغرائب، وروسيا أرض الجليد والأدباء والمفكرين..

أهيم أنا بالأدب المصرى الذي يضرب جذوره بقوة في أعماق تاريخ الأدب، كما أعشق الأدب الروسى الذي يوازيه أصالة وقوة، وعشقى لهما جعلنى أدخل في دوائر المهتمين بهما، وأصير من مريدى الندوات والجلسات، واللقاءات الثقافية بين البلدين، ولا يمضى يوم إلا وأنا أشارك في فاعلية ثقافية، أو أغرق بين رفوف إحدى المكتبات، التي تأثر عقلى وتخلب لبى، وتستولى على معظم وقتى واهتمامى.

لا أحد ينكر تأثر الكتاب الروس بالشرق ومنظومته الأخلاقية وحضارته الضاربة في القدم، كما لا ينكر أحد تأثير الأدب الروسى على الكتاب المصريين، وعلى وعيهم وأفكارهم، بل على السينما والمسرح الشرقى..

ولن أخفى عليكم أنى أهيم بذلك الفيلم المصرى القديم الذي تم إنتاجه عام 1974 والمقتبس عن الإخوة كارامازوف تحت عنوان الأخوة الأعداء من إخراج حسام الدين مصطفى، وبطولة الفنان القدير يحى شاهين والعمالقة نور الشريف ومحى إسماعيل وحسين فهمى..

تجسيد عمل عظيم مثله برؤية مصرية خالصة، استنادا إلى تلك الرواية العظيمة، خلب لبى وزاد من عشقى للدب الروسى، وهذا ما ناقشته مع صديقى سعادة القنصل مرات جاتين مدير المركز الروسى للعلوم والثقافة بالإسكندرية في المركز الروسى للعلوم والثقافة بالإسكندرية، عندما كان يفتتح معرض فن تشكيلى بمناسبة يوم «علم روسيا الاتحادية»، حيث احتفل يوم السبت الماضى، بمرور «26 عاما» بيوم العَلم الوطنى، الذي تم الاحتفال به لأول مرة يوم 22 أغسطس عام 1994.

وعلى المستوى الثقافى نجد أن التأثر بين الثقافتين واسع ومتواصل ومتبادل لا ينقطع، والبعثات الثقافية والتعليمية لا تتوقف بين البلدين، هذا غير التعاون السياسى والعسكرى، ولكن ما يهمنى هنا، وهو التشابك والتأثير العظيم للأدب الروسى على الأدب الشرقى وخاصة المصرى.

وظهر هذا التأثير في مطلع الثلاثينيات، مع نمو حركة الترجمة من الروسية، لكبار كتاب روسيا، مثل تولستوى ودستويفسكى وتشيخوف وتورجينيف ومكسيم جوركى، والذى غزت ترجماتهم عوالم المثقفين المصريين، وأثرت في أفكارهم، وتوجهاتهم سواء الأدبية أو السياسية أو الاجتماعية، خاصة أن هذه الأعمال كانت تتناول الظلم الاجتماعى، ومعاناة الفقراء، وميل ميزان العدالة وغيرها من الأفكار الثورية.

ولم يتوقف الأمر على الأدباء فقط بل تأثر الشعراء مثل شوقى، وحافظ ابراهيم اللذين قاما برثاء تولستوى أعظم أدباء روسيا بعد موته، في قصائدهم الشعرية..

وقد انضم كتاب كثيرون للحزب الشيوعى المصرى من بينهم الكاتب صنع الله إبراهيم، والذى تأثر بأعمال الماركسى المعروف جورج لوكاش، والتى قرأها في سجن الواحات، فسار على نهجه المعارض في كتاباته.

كما انضم لنفس الحزب الكاتب محمود أمين العالم، أحد أعلام اليسار المصرى، والذى صار من أهم أعلام الحزب، فقد كتابات كثيرة عديدة تتناول الطبقية والأفكار الماركسية، ويدخل في معركة فكرية عظيمة مع الكاتب الكبير طه حسين المعارض لهذا الفكر والذى سفه من أهميته وتأثيره.

فأديب نوبل العظيم نجيب محفوظ يراه أجمل أنواع الأدب جميعًا لأنه أقربها لنا أفقًا وموضوعًا وفلسفة، كما أنه خصص مقالا كاملا للحديث عن أعمال تشيخوف وأفكاره وفلسفته ورؤيته للحياة، ونشر في جريدة الأهرام المصرية، في أول سبتمبر عام 2015 م، ويرى البعض تأثره بأعمال دوستويفسكى، خاصة في كتابته لثلاثيته الشهيرة، كما أن لمسته الساخرة في بعض أعماله متأثرة بأسلوب تشيخوف في أعماله.

ولم يتوقف الأمر على تأثر الكتاب وإنتاجهم الأدبى، بالأدب الروسى، بل تأثر المسرح أيضا، ونشأ نتيجة هذا التأثر ما يطلق عليه المسرح الواقعى، ومن أعلامه والذين تبنوا قضايا المجتمع المصرى وواقعه في الخمسينيات والستينيات سعد الدين وهبة وألفريد فرج وغيرهما.

ثم بعدها ظهر المسرح السياسى، الذي يتبنى قضايا الشعوب، والذى ظهر في الأدب الروسى بعد هزيمة ألمانيا، على يد الجيش الروسى.

ولا يتوقف التأثير المتبادل هنا فقط على الرواية والمسرح، بل إنه طال القصة القصيرة، نتيجة الانفتاح على الأدب الروسى، مع توالى الترجمات، فنجد الأديب محمود طاهر لاشين في تبسيط السرد القصصى، ليتخلى عن الإغراق في الوصف والمحسنات اللغوية والبديعية، ليتناول قضايا المجتمع بشكل مباشر ومؤثر، كما قام به تشيخوف..

والتأثير الشخصى للأدب الروسى على مدمنة مثلى لهذا النوع من الأدب العميق شديد الأصالة هو حرصى على الذهاب إلى روسيا، والتمتع بمتاحفها التي تخص عظماء كتابها، ولا أحد يعرف مقدار لهفتى، ولا تلك القشعريرة اللذيذة التي سرت في جسدى، وأنا أتجول في متحف أنطوان تشيخوف الأدبى، الذي كان مدرسة قبل أن يصير متحفا، وكان من مصادر إلهامه في الكتابة، وتعرض فيه أعمال ومقتنيات تشيخوف من العام 1980.

كما زرت المنزل الأبيض الخاص بتشيخوف، أو ما يطلق عليه الـداتشا البيضاء الذي بناه بعد أرباح «طائر النورس» ونصيبه من ميراث والده، وفى المنزل الأبيض كتب تيشخوف 65 قصة وعددا من المسرحيات.

كانت رحلة مبهجة، توزعت بين السياحة والأدب وتمنيت أن تتكرر لأزور المزيد من المتاحف التي تخص كبار كتابى الروس المفضلين.

وفى النهاية أقول إن الأدب هو بوابة الشعوب للتقارب، والسلام والمحبة..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية