اشتدت وتيرة القتال على طول الحدود الأرمينية -الأذربيجانية على إقليم ناجونو كارباخ المتنازع عليه، مما أدى إلى مقتل العشرات، إلى جانب مزاعم حول تحطم طائرات مروحية ودبابات، في حين استدعا البلدان قوات الاحتياط وأعلنا القوانين العرفية داخليا إلى جانب إعلان حالة الحرب في بعض المناطق.
وفسرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية أسباب نشوب الحرب بين البلدين قائلة إن القتال بينهما أمر طبيعي مع وقوع مئات الحوادث على مدار السنوات القليلة الماضية، غير أن هذه الجولة من العنف تهدد باندلاع حرب شاملة مثلما حدث في حقبة التسعينيات.
أكدت المجلة أن انهيار الاتحاد السوفيتي تسبب في صراع وحشي بقى بلا حل على مدار ثلاثة عقود، قائلة إنه الصراع الكبير المنسي الناجم عن تفكك الاتحاد السوفيتي، موضحا أنه يتمثل في حرب اندلعت من عام 1992 حتى 1994، وأسفرت عن مقتل مالا يقل عن 20 ألف شخص وتشريد مليون آخرين خلال التطهير العرقي، نحو 70% منهم أذربيجانيين فروا من الأراضي الواقعة تحت السيطرة الأرمينية، والباقي أرمينيون فروا من الأراضي التي يسيطر عليها الأذربيجانيون.
ولفتت إلى أن إقليم «ناجورنو كارباخ» كان «قلب الحرب» وهو منطقة مرتفعة جميلة تعني «الحديقة السوداء الجبلية» والتي تلعب دورا قويا في الخيال الرومانسي لدى البلدين.
وأشارت إلى أن الإقليم كان من نصيب الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأذربيجانية على الرغم من اغلبية سكانه من الأرمينين، ولكن لم تكن هذه مشكلة كبيرة طلما كانت أرمينيا وأذربيجان تشكلان جزءا من «الإمبراطورية السوفيتية»، فكثير من الأرمينيين كانوا يعيشون في الجمهورية المجاورة والعكس صحيح، وذلك بعدما استولى السوفيت على منطقة القوقاز في 1919-1920.
ونبهت إلى أن «الخلافات الدينية بين أرمينيا ذات الأغلبية المسيحية وأذربيجان ذات الأغلبية المسلمة السنية كانت قليلة الأهمية في دولة ملحدة رسميا» مستدركة بأنه عندما لاقت الاحتجاجات العرقية والدينية مزيدا من القبول في فترة الثمانينيات، بدأ السكان الأرمينيون يشتكون بقوة إزاء وضعهم وقالوا إن هناك حملة لفرض الجنسية والثقافة الأذربيجانية عليهم من جانب سلطات باكو .
وأشارت إلى أن الوضع انفجر في صورة عنف اندلع سنة 1989-1990، في كل من إقليم ناجورنو كارباخ ومدن باكو وسومكايت الأذربيجانية، حيث اتكبت مجازر ضد الأرمينين أدت إلى تدخل الجيش السوفيتي لفرض القوانين العرفية لمحاولة وقف العنف ولكن دون فائدة .
وذكرت المجلة أن الاتحاد السوفيني انهار بحلول عام 1991، ومن ثم كانت الحرب محتومة بين الدولتين الناشئتين على الإقليم المتنازع عليه، والذي أعلن استقلاله عن أذربيجان من جانب واحد خاصة وأن الزعماء كانو يرون في الشوفينية «الإفراط في الشعور بالوطنية» طريقا سهلا لتدعيم سلطاتهم .
ووصفت الحرب ذاتها بأنها كانت مأساوية وأحيانا «هزلية»، موضحة أن تفكك الجيش السوفيتين نتج عنه أعداد ضخمة من المرتزقة الروس، الذين حاربوا على الجانبين، وأحيانا ماكانوا يتنقلون من جانب إلى آخر بين عشية وضحاها، بينما ترعرع المجرمون وسط هذه الفوضى .
وقالت إن أرمينيا كان لها اليد العليا، بعد الانسحاب المدبئي مما أدى إلى عقد اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة موسكو في 1994، والذي نتج عنه سيطرة أرمينيا على معظم إقليم ناجورنو كارباخ
وفيما يتعلق بموقف أذربيجان من تكبد هذه الخسارة، قالت المجلة إن خسارة الحرب تسبب في شعور أذربيجان بألم عميق، ليس فقط لأنها خسارة إقليمية إلى جانب معاناة الأذربيجانيين الذين طردتهم القوات الأرمينية، ولكن بسبب الحجم النسبي وقوة الدولتين، حيث يبلغ عدد سكان أذربيجان ثلاثة أضعاف سكان أرمينيا، مما أدى إلى تنوع هائل من نظريات المؤامرة بشأن الخسارة، والتي من بينها الاعتقاد المنتشر على نطاق واسع بأن الولايات المتحدة ساندت الجانب الأرميني سرا .
واستدركت بأن القوات الأرمينية في الواقع كانت تتمتع بقيادة أفضل وأقل فسادا وأكثر التزاما، فقد كان المتطوعون الأرمينيون يقاتلون بحماس يفوق المجندين الإذربيجانيين الذي يعانون من انهيار المعنويات، غير أن روسيا أيضا كانت تحابي أرمينيا وترسل لها شحنات أسلحة وتزودها بالتدريبات العسكرية .
ولفتت إلى أن أرمينيا لجأت إلى الاحتفاظ بإقليم ناجورنو كارباخ، كجمهورية مستقلة شكليا بدلا من ضمها إلى أراضيها، وذلك كي تحتفظ بموقف أقوى في المفاوضات وتتجنب مزاعم شنها عدوان، وبالكاد ما يعترف أحد بهذه الدولة التابعة التي تسمى بجمورية أرتساخ، مؤكدة أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا لعبتا دورا كبيرا في محاولات غير مجدية لتوصل إلى حل دائم للقضية، فعلى الجانب الأمريكي، شكل الأرمينيون الأمريكان جماعة ضغط لها تأثير معتدل، غير أن الجانب الأذربيجاني استثمر بكثافة في علاقاته مع شركات النفط الأمريكية .
بعدما استعرضت اخفاق محاولات الإتفاق فيما يتعلق بـ«مبادئ مدريد»، تساءلت عن الأسباب التي أدت إلى سوء الأوضاع هذا العام، قائلة إن عام 2019 السابق شهد كثيرا تبادل الخطابات الشرسة وتشبثهما بمطالبهما وكلامهما عن «عظمة الأمة» .
وأوضحت أنه في هذا الصيف، وبعد مناوشات دموية على طول الحدود، بدأ السياسيون يتدثرون بأعلامهم أكثر مما كان معتادا في إشارة إلى الانحياز الوطني خاصة وسط الضغط والفشل الاقتصادي الذي سببه وباء كورونا.