قالت الدكتورة سميرة التويجري، مدير المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، إن المرأة العربية هي الخاسر الأكبر في المرحلة الانتقالية بعد الثورات العربية، مشيرة إلى وجود محاولات جادة ودؤوبة لإقصاء المرأة المصرية من الساحة السياسية، نجح بعضها ولم ينجح البعض الآخر.
وأضافت أن مصر لن تسحب توقيعها من على الاتفاقيات الدولية بناء على اعتراضات فصيل سياسى بعينه، وهجوم جماعة الإخوان المسلمين على وثيقة الأمم المتحدة الخاصة بالعنف ضد المرأة أخرجها من سياقها الحقيقى، وإلى نص الحوار..
■ ما القضايا المتعلقة بالنساء المطروحة على أجندة عملك في مصر والمنطقة العربية؟
- حتى الآن لا توجد لدينا مكاتب في كل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، ولكن نملك مكتباً إقليمياً وآخر وطنياً في مصر، والخطة العربية للمكتب الإقليمى لا تختلف كثيرا عن الخطة الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة التى تعمل على خمسة محاور أساسية، وهى التمكين الاقتصادى للمرأة، والتمكين السياسى في الحياة العامة، وإنهاء العنف ضد النساء، وإشراكهن في الخطط الوطنية من خلال وضع ميزانية للدولة تراعى النوع الاجتماعى، وفي النهاية أهم دور يتعلق بالتنسيق بين كل منظمات الأمم المتحدة التى عملها يتعلق بالمرأة من خطط الصحة والبيئة، وعربياً يختلف تركيزنا على العمل على بعض المحاور دون أخرى حسب كل دولة.
■ ما تعليقك حول تصريح سابق للسفيرة «ميرفت التلاوى» رئيس المجلس القومى للمرأة عبرت عن مخاوفها من نقل المكتب الإقليمى من القاهرة نظراً للهجوم على الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني؟
- هذا ربما يعود للتباطؤ في استخراج تصريح رسمى لعمل المكتب في القاهرة، حيث استلمت عملى أول أغسطس العام الماضى، وكان المفترض أن يكون مقر المكتب الإقليمى في القاهرة، واستغرق توقيع الاتفاقية مع الحكومة المصرية 8 شهور، ولكن مؤخراً تم توقيع الاتفاق وباقى الترتيبات تتعلق باختيار مكان المكتب وطاقم العمل فيه، وأتوقع أن يكون افتتاح المكتب الإقليمى في أغسطس المقبل، وبهذه المناسبة أشكر السيدة ميرفت التلاوى لدورها العظيم في تسهيل إنشاء مكتب القاهرة، وجهودها للدفاع عن المرأة المصرية.
■ كيف ترين وضع المرأة المصرية مقارنة بالنساء في دول تمر بتحول انتقالى مثل تونس ومصر، وذلك بعد مرور أكثر من عامين على الثورة المصرية؟
- المرأة المصرية ليست أفضل حالاً من نظيرتها التونسية واللييبة ولا العكس صحيح، والمرأة العربية «في الهم واحد»، فأنا أرى أننا نمر بمرحلة مخاض عسير وشاق وثمنه باهظ، والثورات العربية خرجت احتجاجاً على انعدام العدالة الاجتماعية والفرص، وأنا أحب النظر دائماً إلى موضوع المرأة وتمكينها كجزء من منظومة التنمية، والتنمية هنا لا أعنى بها النمو في الناتج المحلى، ولكن أقصد بها الإدارة الحكيمة لثروات الدولة بما ينعكس بالخير على الشعب، وهذه مرحلة تحول يجب أن نمر فيها بكل تفاصيلها من عنف وفقدان ثقة وخراب العقد الاجتماعى بين الحكومة والشعب. وبدون شك المرأة هى الخاسر الأكبر في المرحلة الانتقالية في مصر ودول الحراك العربى، فليس كل ما ثورنا عليه في البلاد العربية، انصلح حاله.
■ ما الذى تحمله الاستراتيجية الإقليمية لحماية المرأة العربية لتحسين أوضاع المرأة المصرية التي تعاونتم فيها خلال العامين الماضيين مع جامعة الدول العربية؟
- الاستراتيجية هي ترجمة عربية لقرار مجلس الأمن رقم 1329، وهي محاولة لتفعيل هذا القرار على مستوى الدول العربية وموضوعها حماية النساء والفتيات في أوقات النزاع، والثورات العربية شهدت إقبالاً ومشاركة فاعلة من المرأة، كتبت وتظاهرت واحتجت، ولكن عندما ينقشع غبار المعركة يُقال للمرأة عودى من حيث أتيتِ، نحن الرجال سنصنع السلام ونكتب الدستور، ننتخب ونُنتخب، ونضع القوانين، وكما كانت المرأة شريكاً فاعلاً في الثورة، يجب أن تكون شريكاً فاعلاً في مرحلة ما بعد الثورة، فالاستراتيجية تتناول محاور كثيرة لتحقيق ذلك، على رأسها ضمان الأمن والحماية للمرأة بألا تُستعمل كسلاح حرب، فنجد أنها تعرضت لحالات عنف عديدة منها اغتصاب وتحرش جنسى، في محاولة لزعزعة أمن المجتمع ولإرهابه نساء ورجالا.
■ كيف تقيمين الدور الذي سُمح للمرأة المصرية القيام به في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير؟
- كانت هناك محاولة جادة ودؤوبة أحياناً مثمرة وأحياناً أخرى غير مثمرة لإقصاء المرأة المصرية عن العملية السياسية، لكن لدى ثقة كاملة ومطلقة في قدرة المرأة المصرية على النهوض من جديد وألا تقبل التهميش وعدم وجود دور فاعل لها في مجتمعها، فالثورة التى بدأت من محاولات بعض المدونين لإظهار معارضتهم على شبكة الإنترنت، كان غالبيتهم ناشطات فتيات صغيرات في السن يحلمن بالعدالة الاجتماعية، ولديهن حب غير طبيعى لمصر.
■ هل تعتبرى صعود تيار الإسلام السياسي بمثابة انتكاسة لوضع المرأة العربية؟
- أولاً يجب أن نعى الفرق بين صعود التيارات الإسلامية، والإسلام السياسى، فالأخير قدر المرأة بدون شك، ولم يطلب من المرأة أن تجلس في بيتها منذ عهد الرسول، ويجب أن نعلم أن الديمقراطية لها ثمن، فصعود التيارات الإسلامية جاء من صندوق الاقتراع، وللحظ الشديد ليست صناديق مغلقة في البحر، سيكون هناك دورات برلمانية، وبناء على إنجازات من في السلطة سيتحدد من سيعاد انتخابه ومن سيسقط في الانتخابات، ورأيى أن المرأة يجب أن تعمل مع جميع الفصائل السياسية، وألا ترتبط بوجود فصيل بعينه في السلطة، لأن قضيتها هى قلب قضية تنمية المجتمع.
■ ما تقييمك للتعاون بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع الحكومة المصرية ومنظمات المجتمع المدني؟
- بالنسبة للمكتب الوطنى للهيئة في القاهرة، فقد كان شريكاً فاعلاً، وشارك في كل الأحداث التى مرت بها الثورة المصرية، منذ اندلاعها مروراً بإجراء الانتخابات ووضع الدستور، وهناك مشروع مهم تم بالتعاون مع الهيئات الوطنية المصرية يتعلق باستخراج البطاقات الشخصية للنساء الريفيات اللاتى كن يعتبرن قبل ذلك مهمشات.
■ كيف رأيت هجوم جماعة الإخوان المسلمين على وثيقة العنف ضد المرأة الصادرة عن اجتماع لجنة وضعية المرأة التابعة للأمم المتحدة في مارس الماضي؟
- الهجوم جاء بمنطق أخرج الوثيقة عن سياقها تماماً، فالوثيقة بُنيت على أساس معاهدات دولية طُبقت وصدقت عليها مصر في حينها، مثل الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمى للسكان والتنمية في التسعينيات، فكان لدى هيئة الأمم المتحدة بالمرأة إحساس بالضيق من هذا الهجوم، فهى لم تروج لقيم خارجة عن مجتمعاتنا وتقاليدنا، فالوثيقة كانت تقول لا للعنف ضد المرأة، وعندى ثقة تامة أنه بالحوار الهادف نستطيع أن نوضح لمن لديه اعتراض حقيقة هذه الوثيقة.
■ هل تعتبرين أن بداية هجوم الإخوان المسلمين على الوثيقة خطوة في اتجاه فك ارتباط مصر بالاتفاقيات والالتزامات الدولية؟
- إطلاقاً، لا أعتقد ذلك، فيمكن أن يتم الاعتراض، ولكن لا يصل الأمر إلى فك الارتباط، لأن التوقيع على المعاهدات الدولية جزء من سيادة أى دولة، لذا فإن الانسحاب من اتفاقية يكون لأمر جلل، ولا يخضع لآراء فصيل سياسى بعينه، وعندى أمل خاصة مع افتتاح المكتب الإقليمى في القاهرة في أغسطس المقبل بأن علاقتنا ستقوى، وستثمر مع الحكومة المصرية، وأن مصر باعتبارها راعية للهم العربى، ستكون داعمة لعملى في المنظمة وليست عائقاً.
■ هناك مطالبات بتحويل المجلس القومى للمرأة إلى المجلس القومى للأسرة.. ما رأيك في ذلك؟
- المرأة يجب أن تصان حقوقها بصفتها «إنسان» ونصف سكان الكرة الأرضية، لأن بعض الجهات التى تعمل على حقوقها تتحدث عن الحقوق المشروطة باعتبارها أماً أو أختاً أو زوجة، متجاهلة من لم تتزوج، لذا فحقوقها يجب أن تكون منظومة في حقوق الإنسان وليس فقط باعتبارها امرأة، ولهذا فوضع كل حقوق المرأة في منظمة الأسرة فقط يعد ظلماً فادحاً، ولكن في نفس الوقت إذا تم وضع حقوق المرأة والطفل في منظومة الأسرة انطلاقاً من الاعتراف بدورها كمحرك للأسرة، فلا مانع لأن ذلك يزيدها شرفاً، ولكن يجب ألا يتم ذلك بمعزل عن حقوقها كإنسان.