إبراهيم بائع الفريسكا قصة أثارت ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعى.. قصة كانت مبهرة لكل من اطلع عليها كيف لهذا الشاب الفقير الذى يحمل علبة الفريسكا ويتنقل على الشاطئ ليبيع الفريسكا لقاء جنيهات قليلة كيف له أن يتفوق فى الثانوية العامة ويحصل على أعلى الدرجات التى تؤهله لكى يلتحق بكلية الطب.. هذه القصة مبهرة لنا لأننا مجتمع طبقى لا نتصور أن يتفوق أبناء الفقراء لكن نفس هذه القصة إذا ما رويت فى مجتمع غربى لا تثير كل هذه الضجة ولا تخلق كل هذا الانبهار.. ففى العالم الخارجى نجد أن النجوم والساسة والمشاهير معظمهم عملوا جارسونات فى المطاعم واشتغلوا بالخدمة فى المحال والمطاعم وعملوا بياعين فى المحال.. هذه القصة مبهرة فقط فى مجتمعنا الطبقى الذى نجد فيه أن فرص البسطاء قليلة، بل وقد تكون معدومة ولذلك فتفوقهم كثيرا ما يكون صدفة وشياء غريبا بل نادر.
إبراهيم لم يكن القصة الوحيدة هذا العام فى الثانوية العامة التى تسجل تفوق الفقراء، فالقصص كانت كثيرة وعديدة، فهناك ابنة بائعة الخضار التى حصلت على تسعة وتسعين فى المائة والتى تنوى الالتحاق أيضا بكلية الطب، لكنها للأسف لا تملك مصروفات الطب.. فهل يحكم الفقر على حلمها بأن تصبح طبيبة؟ وهل يحرمها الفقر من هذا الحلم الذى استطاعت أن تصل إليه بنبوغها وجهدها وسهرها الليالى؟ تمكنت بجهدها من التفوق واستطاعت أن تحصل على أعلى الدرجات، لكن الفقر قد يقف حائلا دونها والالتحاق بكلية الطب، رغم نبوغها وتفوقها.. التفوق يمنح الحق فى الالتحاق بكليات القمة، لكن هل يقف الفقر حائلا دون ذلك.. بائع الفريسكا وبائعة الأحذية وابنة حارس العقار زملاء فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية.. الفقراء يدخلون الجنة إذا ما سمح الفقر بذلك ولم يمنعهم من الالتحاق بها لافتقادهم للمصروفات وأن تقف بينهم وبينها التكلفة.. فهل يتحقق الحلم للفقراء أم يقف دونهم ودون ذلك الفقر وقسوته.
ليس إبراهيم وحدة وبائعة الأحذية، فهناك أيضا هبة ابنة عم حامد محمود، حارس عقار بمنطقة فلمنج بالإسكندرية أيضا.. هبة كانت تذاكر فى غرفة تحت بير السلم لكى تحقق حلمها بالالتحاق بكلية الطب وحصلت هبة على أكثر من تسعة وتسعين فى المائة والتحقت بطب الإسكندرية، لكن ظروفهم صعبة جدا، فوالدها راتبه ألف جنيه فقط ولديه اثنان آخرين غير هبة يصرف عليهم، لذلك فهبة تحتاج منحة مجانية من الجامعة، كما أنها تحتاج إلى مساعدة فى المصاريف الدراسية هى فى حاجة إلى دعم مادى لكى تستمر فى تفوقها وقد قررت جامعة الإسكندرية دعم هبة، لكن هل يتم الدعم لحالة حالة أم أن الدعم يجب أن يكون أسلوبا وسياسة وخطة واستراتيجية منفذة على مستوى عام؟.. فهؤلاء الذين ذكرنا قصصهم ليسوا الوحيدين ممن يحتاجون الدعم، فهناك عبدالرحمن أول الثانوية العامة على محافظة الإسكندرية والده شغال على باب الله لدرجة أن عبدالرحمن نزل يشتغل فى محل فراخ فى عز ضغط الثانوية العامة والمذاكرة لكى يساعد والده، عندما قال له إنه عاجز عن دفع فلوس الدروس وبالفعل حصل على أكثر من تسعة وتسعين فى المائة وحصل على المركز الثانى مكرر على الجمهورية.. هذه قصص تستدعى الاهتمام لكن الاهتمام وحده لا يكفى يجب الدعم أيضا والدعم لا يكفى حالة بحالة، بل يجب أن يكون هناك سيستم كامل ودائم قادر على حماية هؤلاء الذين تفوقوا، رغم الفقر ولذلك فالمطلوب إنشاء مركز قومى وطنى لدعم الموهوبين والشباب المتفوقين الذين يقف بينهم وبين الاستمرار فى التفوق فقرهم وظروفهم الصعبة.. هؤلاء مهمة قومية يجب الاهتمام بهم ودعمهم بسياسة قوية وثابتة.