تجمع مصر والسعودية علاقات تاريخية وطيدة، تشكلت لبنتها الأولى أثناء الزيارة التي قام بها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود لمصر في أول زيارة له عقب توحيد المملكة في العام 1946م، وحينها قال قولته «لا غنى للعرب عن مصر.. ولا غنى لمصر عن العرب».
شهد البلدان منذ هذا التاريخ، مسيرة طويلة من علاقات نمت وارتقت، لتتجاوز آفاق الأروقة الدبلوماسية والسياسية، إلى مصير مشترك ورؤية موحدة، وصولا إلى مستوى غير مسبوق من التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-، والرئيس عبدالفتاح السيسي.
عمق ومتانة العلاقات التاريخية التي تجمع المملكة ومصر حكومة وشعبا، تترجمها زيارات واتصالات لا تنقطع بين مسؤولي البلدين بغرض تعزيز ودعم علاقاتهما في مختلف المجالات، والتنسيق والتشاور من أجل خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وخدمة الأمن السلم الدوليين، بوصفهما عضوين فاعلين في أسرة المجتمع الدولي.
تتحدث الأرقام عن قوة المصالح المشتركة التي تجمع البلدين الشقيقين، فالزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر في العام 2016م، تمخض عنها تطوير آليات التعاون وتأطيرها في اتفاقيات جديدة بين البلدين، ليرتفع عدد الاتفاقيات المبرمة لأكثر من 60 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتوكول، شملت جميع أوجه التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاستثمارية، فضلا عن تعزيز التنسيق والتشاور بين البلدين في خدمة قضايا الامتين العربية والاسلامية، وخدمة الأمن والسلم الدوليين.
كما أسفرت الزيارة عن قيام مجلس التنسيق السعودي المصري الذي أسسه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإبرام 17 اتفاقية شكلت خارطة طريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين، في مجالات الإسكان والبترول والتعليم والزراعة والصحة، شملت اتفاقية لتطوير مستشفى القصر العيني بقيمة 120 مليون دولار، واتفاقية أخرى لتمويل إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة 100 مليون دولار، إلى جانب توقيع 10 اتفاقيات تفاهم لتمويل مشروعات جديدة ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء، من بينها تأسيس جامعة الملك سلمان الدولية، التي بدأت بالفعل في استقبال الدارسين للعام الدراسي 2020/2021، وإنشاء 13 تجمعًا زراعيًا في شبه جزيرة سيناء بقيمة 106 مليون دولار، وغيرهما من المشروعات التنموية.
وبالمثل، فقد شهدت زيارة صاحب السمو الملكي، ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان لمصر في مارس من العام 2018م، التوقيع على برنامج تنفيذي للتعاون المشترك لتشجيع الاستثمار بين الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في جمهورية مصر العربية، والهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية، بهدف تبادل فرص الأعمال والاستثمار، وتسهيل التعاون في هذا المجال الحيوي، وتبادل القوانين والتشريعات واللوائح وكافة التطورات المتعلقة بمناخ الاستثمار في كلا البلدين.
وعلي مدى سنوات طويلة، استمرت اللجنة السعودية المصرية المشتركة -التي يترأسها وزيري التجارة في كلا البلدين- في العمل الدؤوب لتعزيز الروابط الاقتصادية بين البلدين على المستوى الحكومي، وتمكنت من إحداث طفرة كبيرة في ملفات التجارة البينية، والتعاون الصناعي، وما يرتبط به من تنسيق في ملف المواصفات والمقاييس، وكذا الجانب المالي والمصرفي، والتعاون الجمركي، فضلاً عن مجالات النقل والأمن، والبترول والتعدين والطاقة، بالإضافة للتعاون في مجالات النقل الجوي والموارد المائية والكهرباء والاتصالات.
وفي مسار موازي اضطلع مجلس الأعمال السعودي المصري بالتنسيق بين القطاع الخاص في البلدين. وخلال العام الماضي، حينما استضافت القاهرة اجتماع رؤساء وأعضاء المجلس من كلا الجانبين، تم إطلاق شراكة استراتيجية بين البلدين لاستهداف السوق الإفريقية الواعدة، وفتح قنوات اتصال مباشرة بين الغرف في الجانبين لمصلحة منتسبيهم من الشركات الصغيرة والمتوسطة، كما تم الاتفاق على تشكيل أربع لجان فنية متخصصة في مجالات الصناعة والزراعة واستصلاح الأراضي والتشييد والإعمار والسياحة.
ونتيجة لتلك المعطيات، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في السنوات الأخيرة، وحقق أرقامًا تصاعدية، كما حافظت المملكة على موقعها بين أكبر الدول المستثمرة في مصر، وهو الأمر الذي حقق منافع مشتركة لكلا البلدين.
وبالتزامن مع ذلك، يقوم الصندوق السعودي للتنمية منذ سنوات بتقديم منح وقروض لتنفيذ مشروعات تنموية في عدة محافظات مصرية، وفي الوقت نفسه يستقبل السوق السعودي سنويا آلاف الأطنان من السلع الغذائية والزراعية والصناعية المصرية، فيما تستضيف المملكة أكبر جالية مصرية مقيمة خارج مصر تعمل في مختلف المجالات.
والتنسيق الكامل والتشاور الدائم.. هو سمة العلاقات بين البلدين بهدف مواجهة كافة ملفات وأزمات المنطقة، وما يتعلق بها من تهديدات وتحديات، انطلاقا من فرضية أساسية تقوم على الرفض التام لكافة التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية أياً كان مصدرها، كونها تشكل تهديدًا لاستقلال وسيادة الأراضي العربية وتفكيكا لوحدتها الوطنية. ومن هذا المنطلق تدعم الدولتين المبادرات السياسية والحلول السلمية لكافة أزمات المنطقة، في سوريا واليمن وليبيا، وفقا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الاقليمية والمرجعيات ذات الصلة، بما يحافظ على استقرار هذه الدول، ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية