فى شوارع محافظة دمياط، فوجئ المارة بمعارض فنية وعروض مسرحية سريعة فى الشوارع، وكانت الدعوة لـ«الفرجة»، أو المشاركة إذا أرادوا أن يشاركوا فى العروض النهائية. فرحة بدت على الوجوه بعد أن عرفوا بوجود «فنانين دمايطة». توالت الاستفسارات عما يحدث، ومن ورائه، وكانت الإجابة أن من وراء الحدث هو مبادرة «محطات»، وما يحدث هو مشروع مخطط له أن يستمر لمدة ثلاث سنوات لإرساء «الفن المجتمعى» فى منطقة الدلتا بدءا من دمياط.
بدأت فكرة «محطات للفن المعاصر» فى نهايات عام 2011 بتجمع خمس إناث من خلفيات متنوعة، «هبة الشيخ» و«استريد تيفس» (ألمانية مقيمة فى مصر) و«ميادة سعيد» (سورية ألمانية)، و«مارى جيرو» (فرنسية مقيمة فى مصر)، و«ميريم ماخول» (لبنانية مقيمة فى مصر)، اتفقن فيما بينهن على أن المشهد الفنى فى مصر مغلق على من فيه. فأردن أن يذهبن بالفن إلى الناس فى الشوارع لينتجوا ويعرضوا معهن فى الشوارع فنا مجتمعيا مبنيا على أسس مهنية، ومعتمدا على فكرتى الإتاحة واللا مركزية.
تعود بداية المشروع إلى أغسطس الماضى بوضع خطة عامة كان أول بنودها بحث ميدانى قابلت فيه «محطات» الكثير من المعنيين بالفنون فى المحافظة، للتعرف على متطلبات العمل وفقا لخصوصية المكان، واستخدام هذه المعرفة فى تصميم العمل. وجدت المجموعة ندرة فى العمل الفنى المستقل فى المحافظة متمثلة فى بعض الأفراد يعرضون أعمالهم فى الأماكن الحكومية القليلة الموجودة هناك مثل قصر الثقافة ومكتبة مبارك العامة.
صممت المجموعة ورش العمل بحيث تضم ثلاثة مجالات رئيسية: التصوير والفنون المسرحية والفنون البصرية، وبدأ العمل فى ورشة الفنون المسرحية من شهر أكتوبر، فيما بدأ العمل فى ورشتى التصوير والفنون المصرية من بداية شهر مارس، واعتمد عمل الورش على المواد المتاحة فى المكان، تحقيقا لمبدأ الإتاحة بكل مستوياته من خلال تعريف المشاركين فى الورش كيفية استخدام ما حولهم لممارسة الفن.
يتعامل الكثيرون مع فكرة العمل الفنى أو الثقافى فى الشوارع والأماكن العامة بتشكك، دائما ما تحمل كلماتهم تخوفات من مضايقات أو اعتداءات قد يتعرض لها من يقرر خوض التجربة، إلا أن من يقررون خوض التجربة تصبح لديهم رؤية أخرى. تقول «هبة الشيخ»: «مفيش مرة عرضنا فيها فى أى مكان عام إلا وكان رد الفعل أحسن من اللى متوقعينه» سواء كان هذا العمل مبنيا على فترة طويلة من التواصل مع سكان المنطقة أثناء عملية البحث، أو عملا يتم عرضه من قبل محترفين دون إعداد مسبق طويل مع الأهالى. إلا أن هذا لا ينفى وقوع بعض «الحاجات البسيطة»، التى لا يعود سببها لوجود الفنانين، وتقديم أعمالهم فى الشارع بحد ذاتها، وإنما لاعتبارات أخرى تتعلق بما حول العروض ونفسية السكان، فعلى سبيل المثال وقعت مشادة فى أحد العروض، بسبب أن الشخص الذى كان يوثق العرض بالفيديو استخدم كاميرا كبيرة الحجم، مما أثار تخوف أحد الأهالى، الذى لم يبد أى اعتراض قبل أن يرى الكاميرا.
مشاركة الأهالى فى «الفن المجتمعى» تزيد من تفاعلهم مع العروض والأعمال الفنية، وتقلل من احتمالية وقوع مشادات. ففى سوق دمياط حيث قدم المشاركون فى ورش «محطات» أحد العروض وقفت رباب البيوت فى الشرفات يتابعن ما يحدث، وعلقت إحداهن بعد أن رأت الأطفال منهمكين فى الرسم والتلوين، «كويس والله لقيتوا حاجة تلموا بيها العيال»، كما دعا أصحاب الورش الحرفية، الذين اشتريت منهم المواد المستخدمة فى العروض لمشاهدة استخدام موادهم فى الفن.