فيروز التى بدأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون زيارته لبيروت بلقائها، مساء أمس، هى سفيرة الفن اللبنانى للعالم، ويلتقى اللبنانيون من كل الطوائف حول صوتها وأغانيها، ورغم ابتعادها عن الأضواء منذ سنوات وتوقّفها عن إحياء حفلات، لا يزال صوتها الاستثنائى يرافق ملايين الأشخاص عبر العالم، فهى التى غنّت للحب والوطن والحرية والقيم، بحسب تقرير لموقع «فرانس 24».
تجاوزت شهرة فيروز، واسمها الحقيقى نهاد حداد، صورة المرأة النحيلة البنية الباردة الملامح، حدود لبنان، وجذبت معجبين من أنحاء العالم، وتعدّ من آخر جيل كبار العصر الذهبى للموسيقى العربية فى القرن العشرين، ورفضت فيروز أن تُجرّ إلى خصومات سياسية أو دينية، خاصة خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، وتصدّرت أغنياتها الإذاعات المتناحرة على جانبى المعارك. ويعدّ الاستماع إلى أغانى فيروز بمثابة طقس يومى، وقالت لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عام 1999، بعد حفلة فى لاس فيجاس رداً على سؤال حول جديتها المفرطة على المسرح: «إذا نظرتم إلى وجهى عندما أغنى، سترون وكأننى غير موجودة»، وتابعت «أرى الفن كأنه صلاة، لست موجودة فى كنيسة، لكننى أشعر كما لو أننى فيها، وفى هذه الأجواء لا يمكننى الضحك».
ولدت فيروز بقرية الدبية فى الشوف الجبلية فى 21 نوفمبر 1934، لوالد يعمل فى مطبعة ووالدة اهتمت برعاية الأسرة المكونة من 4 أولاد، وانتقلت العائلة للإقامة فى حى زقاق البلاط ببيروت، وفى نهاية الأربعينات، اكتشف موهبتها المؤلف الموسيقى محمد فليفل، وضمّها إلى الكونسرفتوار لتتعلّم أصول الموسيقى والغناء، وأُعجب مدير الإذاعة اللبنانية، حليم الرومى بصوتها واقترح عليها اسمها الفنى «فيروز»، ثم تعرّفت على عاصى ومنصور الرحبانى، المؤلفين الموسيقيين اللذين نالا شهرة واسعة، وارتبط فنهما بلبنان، فبات جزءا من تراثه، وتعاونت فيروز مع الأخوين رحبانى منذ مطلع الخمسينيات، ونتج عنه أعمال غنائية ومسرحية وأفلام جمعت بين الألحان الشرقية والفولكلور اللبنانى والأنغام الغربية.
وغنّت فيروز لشعراء كبار، من الأخطل الصغير إلى سعيد عقل الذى لقبها بـ«سفيرة لبنان إلى النجوم»، مروراً بجبران خليل جبران وإلياس أبوشبكة، ولحّن لها عبد الوهاب وفيلمون وهبة وزكى ناصيف، وشكلت مع الأخوين رحبانى علامة فارقة فى مهرجانات بعلبك ولُقبت بـ«عمود بعلبك السابع».
وفى منتصف الخمسينيات، تزوجت فيروز من عاصى الرحبانى وأنجبا 4 أولاد، زياد، وليال التى توفيت عام 1987 بعد عام من وفاة والدها، ثم هلى الذى أصيب بالإعاقة، وريما، ويقول مقربون منها إنها مرّت بمآس شخصية لكنها حافظت على خفّة ظلها.
وحرصت فيروز على حماية خصوصيتها العائلية، لكن الإعلام تناول أخبار العائلة، وخلافها مع زوجها عاصى قبل مرضه، وبعد وفاته، وخلافها مع عائلة منصور الرحبانى حول حقوق الملكية الفنية، وتعاونت فيروز مع زياد الرحبانى منذ الثمانينات، وفى 1991، غنّت له «كيفك انت؟» مما أثار جدلاً واسعا، وشكّلت أغانى فيروز رابطا بين اللبنانيين، خلال الحرب الأهلية، ورفضت الغناء فى لبنان لتجنّب أن تُحسب على منطقة دون أخرى، وأقامت حفلات بالخارج مثيرة الحنين فى نفوس اللبنانيين الذين فروا من الحرب، ومنها أغنيات مثل «بحبك يا لبنان» و«ردنى إلى بلادى» و«لبيروت» وغنّت أجمل ما قيل عن القدس، فكانت «زهرة المدائن» و«سنرجع يوماً»، وغنّت لدمشق ومكة، وللأوطان والثورات والشعوب، وقلّدها عاهل الأردن الراحل الملك حسين 3 أوسمة، وتبث إذاعات عربية أغانيها باستمرار، وأثارت جدلا فى 2008 عندما غنت فى دمشق بعد 3 سنوات من انسحاب القوات السورية، وكان آخر ظهور لها فى إبريل الماضى، فى مقطع مصوّر قرأت فيه مقاطع من سفر المزامير فى الكتاب المقدس.