x

حلمي النمنم فراعنة الجزيرة العربية حلمي النمنم الأربعاء 10-11-2010 08:00


أعلن فى المملكة العربية السعودية عن اكتشاف آثار فرعونية فى صحراء الجزيرة العربية. وقبل حوالى ست سنوات تحدث فى مكتبة الإسكندرية د. عبدالله الأنصارى، وهو أستاذ للآثار بالمملكة، عن اكتشاف «جعارين» فرعونية فى شرق المملكة العربية السعودية. الآثار التى تم اكتشافها مؤخراً تعود إلى القرن الثانى عشر قبل الميلاد.. ولا أعرف مدى العلاقة بين الأثريين فى مصر والأثريين فى المملكة، غير أن الحفائر الأثرية فى صحراء مصر الشرقية، وهى ليست نشطة بالقدر الكافى، والحفائر فى المملكة العربية السعودية يمكن أن تؤدى إلى اكتشافات أخرى فى هذا المجال، وتفتح أمامنا آفاقاً معرفية جديدة.

وجود آثار فرعونية فى الجزيرة العربية يؤكد أن العلاقات بين جانبى البحر الأحمر قديمة، وأن صلات المصريين والعرب أقدم مما نتصور، ويمكن بدراسة هذه الآثار أن نكتشف جوانب هذه العلاقة وعمقها، فضلاً عن مدى التأثر بين الجانبين، والمعنى أن علاقة مصر بالجزيرة وبالعرب لم تنشأ مع ظهور الإسلام ولا مع دخول عمرو بن العاص مصر، صحيح أن هناك روايات عن أن عمرو بن العاص جاء مصر، وزار الإسكندرية فى شبابه المبكر، وتختلط الوقائع بالأساطير فى هذا الجانب، مثل أنه كانت هناك نبوءة بأنه سوف يأتى مصر وسوف يكون حاكمها، وقصة الكرة التى سقطت فى حجره أكثر من مرة بالإسكندرية أثناء أحد مهرجاناتها تروى للدلالة على ذلك، ومن المرويات أيضاً أن الذى قام ببناء الكعبة، قبل البعثة النبوية، كان بناءً قبطياً، لكن تأتى هذه الاكتشافات لتؤكد أن العلاقة والمعرفة بين المصريين والعرب أقدم كثيراً من نتف الحكايات التى وردت فى ثنايا حديث المؤرخين عن الفتح العربى لمصر.

ولابد أن يستوقفنا ميناء «عيذاب»، وهو ميناء الحج على ساحل البحر الأحمر، الذى كان ينتقل منه حجاج الصعيد وبعض الحجاج الأفارقة طوال العصر الإسلامى، حيث إن البحر الأحمر ضيق فى تلك المنطقة، ولذا كان عبور الحجاج منه سهلاً وميسوراً.. موقع هذا الميناء مازال موجوداً إلى اليوم يقع على بعد 32 كيلو متراً جنوب شلاتين. هذا الميناء نفسه هو الميناء الفرعونى الذى كان يتحرك الأسطول المصرى منه إلى بلاد بونت ذهاباً وعودة.. وهذا يعنى أن المصريين ركبوا البحر الأحمر مبكراً وجابوه، وإذا كانوا قد وصلوا إلى نهايته وما بعدها على الساحل الأفريقى، أفلا يكونون قد انتقلوا منه إلى أقرب منطقة على الساحل الآخر من البحر والمقابل لهم مباشرة؟!

هذه الآثار تضىء لنا جانبا من التاريخ المصرى القديم، وتحركات الفراعنة فى كل اتجاه، ولكنها بالقدر نفسه تكشف وتضىء لنا تاريخ الجزيرة العربية، فمعرفتنا بهذا التاريخ تقف فى حدها الأقصى عند عدة قرون قبل الإسلام، لكن نحن بإزاء منجز مادى يعود إلى 18 قرناً قبل ظهور الإسلام، والواضح أن المعرفة كانت عميقة فى الجزيرة العربية بمصر والمصريين، وإلا ما وجدنا القرآن الكريم يتنزل على سيدنا محمد وبه آيات مطولة عن مصر والمصريين، سواء فى قصة إبراهيم «أبوالأنبياء» ويوسف عليه السلام وموسى.. وقد استوعب المسلمون والعرب النص القرآنى بسهولة، وبدا أن حديثه عن مصر والمصريين وعن الفرعون وعزيز مصر ليس غريباً عليهم.. ولابد أن تفتح هذه الآثار المجال للدارسين وللباحثين أن ينقبوا أكثر ويثبتوا ما وراء هذه الآثار وما تحكيه.. كيف وصل الفراعنة إلى هناك ولماذا وهل أقاموا هناك؟! وبالتأكيد لم تكن العلاقة من طرف واحد، بل كانت بين الطرفين.

ويفتح فراعنة الجزيرة العربية، إن صحت التسمية، المجال واسعاً لاكتشاف العلاقات الثقافية والتأثير الثقافى بمعناه الواسع والعميق بين مصر وجزيرة العرب. الفراعنة ذهبوا بلغتهم الخاصة وديانتهم، ومن ثم ثقافتهم، وهم تعاملوا مع أبناء الجزيرة بثقافتهم ولغتهم أيضاً، وهذا يطرح السؤال الكبير حول المؤثرات المصرية فى اللغة العربية، كما عرفها عرب ما قبل الإسلام.. نعرف أن بعض علماء الآثار تحدثوا منذ عقود عن مؤثرات وآثار من اللغة المصرية القديمة فى اللغة العربية، ولم يجد قولهم اهتماماً علمياً لا فى مصر ولا فى المملكة العربية السعودية، وبات ضرورياً إعادة النظر فى كل ذلك، وعلى أساتذة الأنثروبولوجيا الثقافية، وكذلك علماء اللغويات، أن يدرسوا الآثار الفرعونية الجديدة، ومن يدرس فربما يثبت لنا أن ثنائية «المصرية والعروبة» التى أثارت جدلاً واسعاً بعد دخول الإسلام مصر ليست بالتضاد ولا بالحدة التى يتصورها بعضنا سواء داخل مصر أو داخل المملكة العربية السعودية، أو بين بعض الدارسين والمتخصصين الأجانب فى علوم المصريات، ورحم الله زميلنا الباحث المجتهد بيومى قنديل، فقد كان من أنصار القسمة والثنائية الحادة بين المصرية والعروبة، وربما لو أتيح له المعرفة بوجود الآثار الفرعونية فى الجزيرة العربية لأعاد النظر فى بعض مقولاته وأفكاره.

وبات ضرورياً أن يتحقق تعاون علمى مكثف بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية فى مجال الآثار، حفائرها والتنقيب عنها، فضلاً عن دراستها، وكنت قد طالبت بقيام ذلك التعاون قبل سنوات، ودعوت وقتها إلى أن نعمل على تأسيس «ثقافة البحر الأحمر»، وإذا كان للبحر المتوسط سحره وتأثيره الثقافى والسياسى، فإن البحر الأحمر لا يقل فى ذلك التأثير، وتجىء الاكتشافات الأثرية الأخيرة بالمملكة لتؤكد ضرورة التعاون الأثرى بين البلدين، وعلى د. زاهى حواس أن يوجه قبعته قليلاً نحو الجزيرة العربية ويلتقى مع نظرائه هناك.. وعلى أقسام الآثار بجامعاتنا أن تزيد من حجم تعاملاتها مع الأقسام المناظرة بجامعات المملكة، خاصة أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز لديه اهتمام واسع بالجامعات والعلوم الحديثة، ولديه رغبة فى تحقيق انفتاح علمى وثقافى.

هناك أسئلة كثيرة فى العقول وكلمات تقف فى الحلوق حول العلاقة بين المصرية والعروبة.. المصريين والعرب، بعضها مرتبط بمواقف سياسية معاصرة، لكن فيها الكثير ينطوى على جوانب علمية وفكرية لم تحسم بعد، وأتصور أن الآثار الفرعونية المكتشفة بالجزيرة العربية يمكن أن تساعدنا كثيراً فى البحث عن إجابات، وربما تثير تساؤلات جديدة تماماً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية