كان المفروض أن أكتب هذه السطور صباح أمس، فى ذكرى ميلاد الدكتور مصطفى الفقى، التى توافق 14 نوفمبر من كل عام، ولكن لعن الله التعصب للكرة، الذى شدنى، رغم أنفى، إلى الكتابة عن موقف تليفزيون الدولة الرسمى، غير المفهوم، من القنوات الخاصة، وإصراره على أن ينفرد وحده، دون هذه القنوات، بنقل المباراة بين مصر والجزائر على الهواء!
لعن الله الشحن الإعلامى المتبادل، الذى كاد يرسخ لدينا انطباعاً، بأننا، فى البلدين، قد انتهينا من كل مشاكلنا التى هى بحجم الجبال، ولم يعد أمامنا غير مباراة، هى فى نهاية الأمر مجرد مباراة، لن تغير من واقعنا شيئاً، إذا كسبناها أو خسرناها.
أكتب هذه السطور، قبل ساعات من بدء المباراة، وحين ترى هذه الكلمات النور، سوف تكون النتيجة قد جرى حسمها، فإذا كنا قد خسرنا ـ لا قدر الله ـ فأرجو أن ننتبه إلى أن حالنا بعد المباراة، مثله تماماً قبلها، وربما أسوأ، بما يعنى أننا تحمسنا لنوع من الوهم، وإذا كنا قد كسبنا، وهذا ما أرجوه، معترفاً بحق الطرف الجزائرى أيضاً فى أن يرجو الكسب ويسعى إليه، فإننى أهدى الفوز إلى الدكتور الفقى، مهنئاً إياه بعيد ميلاده، ومتمنياً له أن يواصل مسيرته المديدة، بإذن الله، بالدرجة ذاتها من الصدق الذى كتب به مقالته عن حياته فى «المصرى اليوم» صباح الخميس الماضى!
رسم الدكتور الفقى لنفسه صورة فى المقالة، يندر أن يستطيع غيره رسمها بهذه القوة، وهذه الحيوية، وهذه الشجاعة.. وكان كبيراً حقاً، وهو يرصد محطات الحياة على اختلافها، مشيراً إلى الخطايا فيها، بمثل إشارته بالضبط إلى المزايا!
إن أعظم البورتريهات رسمها الفنانون العالميون العظام لأنفسهم بأنفسهم، وليس أدل على ذلك من بورتريه «فان جوخ» الشهير، وقد نجح الدكتور الفقى فى تجسيد ملامح حياته، بالكلمات، كما لم ينجح فيها أحد من قبل، وليس المهم أنه وقف من هذه الحياة، موقف القاضى من قضية معروضة أمامه، ولكن الأهم أنه تحرى العدل فى الحكم عليها قدر إمكانه، وكان بديعاً حين ألقى نظرة شاملة على 65 عاماً مضت من عمره، ثم قال عن نفسه إنه قد نذر حياته، على امتدادها، لخدمة الناس، بدءاً من الفقراء والبسطاء، وها هو اليوم فى مفترق الطرق، ينظر خلفه فلا يجد ما يخجل منه، ثم ينظر أمامه، فلا يرى ما يحتفل به، إنها أزمة عمر، ودرس زمن، ومحنة حياة!
وكم تمنيت لو التفت الدكتور الفقى إلى أن «أزمة العمر» فى حياته، ليست أزمته وحده، وإنما أزمة جيل كامل مع بلد عجز عن تصعيد مواهبه، وتوجيهها إلى ما يجب أن تكون فيه من مواقع، بل إنه بلد كان، ولايزال، يقتطف مواهبه فى مهدها، ثم يهيل عليها التراب!
يمثل مصطفى الفقى قيمة حقيقية فى حياتنا، وهو رجل يصنع المواقع التى يشغلها، ولا تصنعه المواقع، وحين كان سكرتيراً للرئيس لشؤون المعلومات، فإن هذه كانت المرة الأولى، وربما الأخيرة، التى يصبح فيها هذا الموقع، إلى جوار الرئيس، ملء السمع، وحديث الناس.. ويكفى الرجل أنه تحدث عن حياته، بهذه الدرجة من الصراحة، ويكفيه أيضاً أن قيمته، وهى كبيرة، إنما يستمدها من عقله، وفكره، ووجدانه، ولا يمنحها له أحد!