هل غاب الوفاء عن قيادات ثورة 23 يوليو.. أم الأفضل أن نعيد دراسة طبيعة العلاقات بينهم، خصوصًا الصف الأول منهم؟ نعتقد أن خير مثال لغياب الوفاء يتمثل فى الرجل الذى أنقذهم من حبل المشنقة عندما قاد فرقته، قبل الموعد الجديد المحدد، وبذلك قبض على كبار القادة الذين كانوا يجتمعون ليخططوا كيف يقضون على حركة الضباط الأحرار.. ونقصد به القائمقام يوسف صديق، وكان أكبرهم رتبة.. وبعد نجاح استيلائهم على السلطة كان هذا الرجل هو أول ضحاياهم.. إذ سرعان ما افتعلوا الأسباب ثم سجنوه، ونفوه.. ولما عاد رغمًا عنهم.. ألقوه فى السجن رغم أنه كان يموت موتًا بطيئًا، إذ كان مريضًا بالسل، ولم يرحموا مرضه هذا.. وربما خشوا من «تفكيره» وأسلوبه العنيف فتخلصوا منه، يعنى «اتغدوا بيه.. قبل أن يتعشى بهم» وهل ننسى موقفهم من الرجل الذى احتموا وراء اسمه ورتبته العسكرية العالية ومحبة الضباط له.. ونقصد به اللواء محمد نجيب الذى افتعلوا له المشاكل.. وهو الذى «صدَّروه» ليحتموا خلفه، ثم عزلوه، ولما ثار الشعب ومعظم ضباط الجيش.. أعادوه حتى يعدوا المسرح من جديد.. وبعد شهور عزلوه وحكموا عليه بالنفى الداخلى فى فيلا مهجورة بمنطقة المرج.. لا يزوره ولا يدخل إليه أحد إلا القطط والكلاب رغم أننا عرفنا منه الحقيقة عندما استغل فترة النفى هذه ليكتب لنا أفضل كتبه «كنت رئيسًا لمصر»، ثم كتابه عن السودان.. وهكذا.. فأين الوفاء؟!
وحتى فيما بينهم، ولا نقول هنا إن الثورة أكلت رجالها.. فهل نعرف حقيقة إقصاء صلاح سالم- وكان أعلى الأصوات بين هؤلاء القادة- ولا كيف أقصوا أيضًا شقيقه جمال سالم.. وما حقيقة القائمقام محمد رشاد مهنا، الذى عينوه- نيابة عنهم- فى مجلس الوصاية على عرش الملك الصغير أحمد فؤاد الثانى.. أسرار وراء أسرار.. ماتت بموتهم، حتى وإن بقى اسم صلاح سالم على أطول شارع فى القاهرة وأشهر شارع بالإسكندرية؟!
وما الذى حدث لقائد الأسراب حسن إبراهيم، رغم أنهم فى البداية كلفوه بالملف الاقتصادى.. وأيضًا الملف الليبى.. ما الذى حدث له.. وكيف توارى فى هدوء.. ولا كيف أجبروا عبداللطيف البغدادى- صاحب اليد السحرية- على التقاعد، وفضّل الحياة فى بيته الذى أقامه أعلى إحدى تباب مدينة نصر أمام شارع يوسف عباس وخلف المنصة.. وهو صاحب أدق وأفضل مذكرات عن الثورة؟!.. أما الدور الغريب الذى لعبوه ضد أحد وأصغر وأكثر الضباط ثورية، وهو خالد محيى الدين، فقد نفوه إلى أوروبا خوفًا من نشاطه.. ولم يعد إلا بعد سنوات، ولولا كتابه الرائع «الآن أتكلم» لما عرفنا بعض ما حدث له.. وكل ذلك كان وراء انزواء كمال الدين حسين!
■ أما حكاية ناصر وعامر فهى أفضل أمثلة عدم الوفاء، ولا أحد- حتى الآن- يعرف كيف مات.. وهل «استنحروه»، أى دفعوه للانتحار.. أم مات بإرادته.. حقًا كان عدم الوفاء أهم صفات قيادة ثورة 23 يوليو، ثم لا ننسى تلك «العلقة» التى تلقاها زكريا محيى الدين مساء 9 يونيو!!