وما إن استقبلت مارية عامها الثانى حتى شعرت بالحمل، وبعد تسعة أشهر وضعت مارية طفلاً وسيماً قسيماً يشبه النبى «صلى الله عليه وسلم»، الذى سماه إبراهيم.
فى قرية من صعيد مصر تدعى «حفن» قريبة من بلدة أنصنا على الضفة الشرقية للنيل تجاه الأشمونين بمحافظة المنيا، ولدت مارية بنت شمعون لأب قبطى وأم مسيحية رومية، لتنتقل مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس عظيم القبط فى مصر، وفى قصره تابعت رسول النبى، الصحابى حاطب بن أبى بلتعة، الذى دخل القصر، كأول داعية للإسلام يصل إلى «المحروسة».
استقبل «المقوقس» خطاب النبى بقبول حسن وقال: «أعلم أن نبياً قد بقى وكنت أظن أنه يخرج بالشام، حيث مخرج الأنبياء، فأراه خرج من أرض العرب ولكن القبط لا تطاوعنى»، ثم كتب خطابا إلى النبى وذكر فى آخره أنه بعث له بجاريتين لهما مكانة عظيمة من أهل مصر، هما مارية وسيرين.
طار الخبر فى يثرب أن شابة مصرية جميلة جعدة الشعر جذابة الملامح قد جاءت من أرض النيل هدية للنبى، حتى اشتعلت الغيرة فى قلب السيدة عائشة، وهى التى قالت: «ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية وذلك أنها كانت جميلة جعدة- أو دعجة- فأعجب بها رسول الله، وكان أنزلها أول ما قدم بها فى بيتٍ لحارثة بن النعمان، فكانت جارتنا، فكان عامة الليل والنهار عندها، حتى فرغنا لها، فجزعت فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا».
مضى نحو عام ومارية سعيدة بحظوتها عند النبى، واطمأن لها المقام فى كنفه، وما إن استقبلت مارية عامها الثانى حتى شعرت بالحمل، وبعد تسعة أشهر وضعت مارية طفلاً وسيماً قسيماً يشبه النبى «صلى الله عليه وسلم»، الذى سماه إبراهيم.
حمل النبى الغلام إلى عائشة فردت عليه قائلة: «ما أرى بينك وبينه شبهاً»، فانصرف وهو يرثى لعائشة ما تشعر به، حتى كان اليوم الذى اجتمع فيه الرسول بمارية فى منزل حفصة، فظهرت الغيرة المكتومة، وأنزل الله سورة التحريم.
كان فرح النبى بـ«إبراهيم»، عظيماً، لكن الفرحة لم تدم طويلاً، فلم يكد يتجاوز إبراهيم العامين، حتى أصيب بالحمى، ليبكيه النبى، والصحابة فى يوم اكتست فيه المدينة بالسواد، حتى قال الرسول المكلوم فى ولده: «لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً أشد من ذلك، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكى العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب».
بعد وفاة النبى بقيت مارية خمس سنوات فى عزلة عن الناس، لا تلقى غير سيرين شقيقتها، ولا تخرج إلا لزيارة قبر الأب والحبيب والرسول الذى رحل، حتى لحقت به فى عهد عمر بن الخطاب، فصلى عليها الصحابة ودفنت فى البقيع.