لم يكن الأربعاء 18/7/2012 يوما عاديا في دفتر الثورة السورية. السوريون بشكل عام، والدمشقيون على وجه الخصوص، تحملوا كل ما فيه من مآس، «ابتهاجا بما هو أهم»، وهو سقوط 3 من أعتى مسؤولي النظام عن استشهاد آلاف السوريين، أطفالا ونساء وشيوخا على مدار الأشهر الماضية.
هذا ما تراه «أم حسين»، بعدما وصل منسوب العنف في العاصمة السورية إلى مستويات قياسية، وهي التي دفعت من أبنائها شابين «قرابين لحرية الشعب السوري»، كما تقول لـ«المصري اليوم»، بينما لاتزال أخبار زوجها شبه منقطعة، بل من غير المؤكد ما إذا كان على قيد الحياة أم ميتا أم في أقبية نظام بشار الأسد.
وعن تفاصيل حياة المواطنين في العاصمة السورية وكيف مر عليهم الأربعاء الدامي وسط هذه الأجواء من المعارك الحربية الضارية، قال شقيقها «محمد»: إنه لم يتخيل أبدا أن يسير على قدميه ما يقدر بـ 5 كيلومترات «دون أن أحس بالتعب والإرهاق». وأوضح: «اليوم دمشق المشهورة بضيق شوارعها وأزمتها المرورية كانت خالية تماما من ضجيج السيارات ودخانها، مستبدلة إياها بدخان القصف المتواصل تارة من الطائرات المروحية، وتارة من فوهات المدافع والدبابات».
خلافا للأيام السابقة، اقتصرت جولة «المصري اليوم» في هذا اليوم، الذي لن تنساه ذاكرة السوريين، على وسط المدينة فقط، لترصد تغير وجوه الدمشقيين وتعبيراتهم التي جمعت بين الفرحة والذهول.
الناشط والمعارض «أبو كيوان»، الذي خرج حديثا من السجن بعد شهرين من الاعتقال، يقول في لقاء مع «المصري اليوم بأحد طوابير الخبز: «رغم ضرورته لا يهمني إن حصلت على ربطة خبز أو لا. ما يهمني أن يكمل الجيش الحر ما أقدم عليه، ويكمل مشواره وصولا لسقوط النظام بكل رموزه بأسرع وقت.
ويضحك «أبو كيوان» من قلبه قائلا: «كنت حين أقف أكثر من نصف ساعة على دور الفرن للحصول على الخبز، أجعل من كل من كان واقفا معنا معارضا وأحثهم للدفاع عن حقهم. اليوم أنا أهدئ غضبهم رغم أن الوقفة من أجل ربطتي خبز كانت بحاجة لأكثر من 5 ساعات».
وفيما لا يقل عنه قوة ودعما للثورة، جاءت كلمات «الخالة مريم» في طابور الخبز نفسه داعمة لكل من حولها. قالت: «برضاي عليكو، ديروا بالكو عحالكو». وأشارت إلى بيتها المجاور، قائلة للجميع: «البيت بيتك.. متا ما حبيتو تيجو دون استئذان، كتير ذرفنا دموع، خلونا نفرح فيكون بالأخير، وخلو عنجد ختامها مسك ياسميننا الدمشقي».
كلام «الخالة مريم» كان معبراً عن مكنونات الأمهات اللائي استقبلن ضيوفا غرباء طوال الفترة الماضية نتيجة صعوبة الوصول لمنازلهم، فنصف سكان دمشق الذين أبوا إلا أن يخرجوا، لم يستطيعوا العودة إلى البيوت، بعد أن تقطعت أوصال الأحياء والمدن والريف الدمشقي فيما بينها. هكذا أثبت النساء قبل الرجال للنظام أن الشعب السوري «لا يمكن تقسيمه تحت أي حجج واهية»، كما ختمت «الخالة مريم».