أعلنت وزيرة العدل، في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، مارى كلود نجم، التي تقدمت باستقالتها عقب انفجار مرفأ بيروت، أن الاستقالة في هذا الظرف الزمنى كانت هي الأفضل تجنبا لوقوع المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات، مشيرة إلى أنها لم تكن تُفضل الاستقالة قبل إجراء التحقيقات.
وأكدت كلود البالغة من العمر 49 سنة، والحاصلة على درجتى الماجستير والدكتوراه في القانون الدولى، وكانت واحدة من بين 6 سيدات حملن حقائب وزارية لأول مرة في بيروت، أن حكومة حسان دياب تتحمل المسؤولية السياسية عن انفجار المرفأ، لكنها تثق في قضاء بلادها، ورحبت بالاستفادة من الخبرات الأجنبية في مسألة التحقيقات، وأوضحت الوزيرة المستقيلة، في حوار خاص لـ«المصرى اليوم»، أن بلادها تحتاج إلى تغيير النظام الطائفى، وتأسيس دولة «علمانية» تسع الجميع، موضحة أن الانهيار المالى أصاب كافة اللبنانيين دون التفرقة، وشددت على ضرورة تشكيل حكومة سريعة والعمل على وجود حكومة انتقالية تقوم بالتحضير للانتخابات البرلمانية وإجراء تغييرات في قوانين الأحوال الشخصية، وإلى نص الحوار..
■ لماذا تقدمت باستقالتك قبل إعلان حسان دياب استقالة الحكومة بأكملها؟
- واقعة انفجار مرفأ بيروت، التي أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا اللبنانيين وآخرين من جنسيات مختلفة، فضلا عن آلاف الإصابات، كانت شديدة الصعوبة على نفوسنا جميعا شعبا وحكومة، وكان من الصعب استمرارى بالعمل في الحكومة، في ظل المظاهرات الصاخبة والانهيار المالى الذي تعيشه لبنان، لذلك ارتأيت أن الاستقالة في هذا الظرف الزمنى هي الأفضل تجنبا لوقوع المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، على الرغم مما قدمناه من جهود هائلة خلال الـ6 أشهر الماضية، لكننا نعتبر أنفسنا جزءا من المسؤولية.
■ لكن لماذا لم تؤجلى الاستقالة قبل إجراء التحقيقات، باعتبار أن هذا الأمر من اختصاصك كوزيرة للعدل؟
- بالفعل لم تكن لدى رغبة في تقديم الاستقالة مبكرا قبل إجراء التحقيقات وإحالة الملف برمته إلى مجلس العدل وهو أعلى جهة قضائية في لبنان، وأعتقد أن التحقيقات ستأخذ مسارها الطبيعى، عقب تعيين المحقق العدلى، من أجل الاطلاع على كافة المستندات والوثائق والأدلة الخاصة بانفجار المرفأ.
■ كوزيرة للعدل.. من المسؤول عن حادث الانفجار وهل تؤمنين بتدويل القضية؟، وهل هناك اتهامات لإسرائيل أو حزب الله؟
- القضاء اللبنانى هو من سيحدد المسؤولية الجنائية، على الرغم من أن هناك مسؤولية سياسية تتحملها الحكومة، وبالنسبة للقضاء اللبنانى فأنا أؤمن تماما وأثق في نزاهته وقدراته، وهناك نقابة المحامين ولديها باع طويل وخبرات عميقة في القانون حيث أنها مواكبة للأحداث شأنها في ذلك شأن وسائل الإعلام، ولا نحتاج تدويل قضية المرفأ أو قضاء أجنبيا يتدخل في أمور حياتنا، لكن لا مانع من الاستفادة والاستعانة بالخبرات الدولية في التحقيق من أجل الوصول إلى الأدلة الكاملة تجاه المسؤولين عن حادث انفجار المرفأ، الذي وضع الجميع أمام مسؤولياته وكشف حجم الانهيار الذي تعرضت له المدينة الحالم أهلها بالتغيير والتقدم على كافة الأصعدة، حتى تعود لريادتها ومكانتها الدولية والعربية، وبالنسبة إذا ما كانت هناك اتهامات ضد إسرائيل أو حزب الله اللبنانى، فإن التحقيقات هي من ستحدد مسؤولية أي جهة وراء الانفجار.
■ إذًا ما هو المطلوب من الحكومة الجديدة؟
- أولا المطلوب هو تشكيل حكومة في أسرع وقت، لاستكمال ما قامت به حكومة حسان دياب، التي واجهت صعوبات وعقبات كبيرة، وكانت الحكومة الوحيدة، التي تُصارح الشعب اللبنانى لأول مرة عن كل شىء بلغة الأرقام، التي لا يمكن لأحد تكذيبها، فقد كانت شفافة وأكثر وضوحا في الحديث عن الخسائر المالية، التي ألَمت بكافة فئات الشعب اللبنانى، فذهاب الحكومة اللبنانية إلى صندوق النقد الدولى، كان حتميا رغم موجة الاعتراضات الداخلية، وبذلك كنا أكثر صراحة حول سبل وتفاصيل إنفاق المال العام.
■ أفهم من كلامك أن حكومة دياب تعرضت للظلم المجتمعى؟
- نعم، للأسف نحن لم نُعين على أرضية جديدة، وتم زرعنا على نظام طائفى «شرير» في بعض الأحيان، وعملنا في ظل انهيار مالى وحصار كبير بسبب انتشار فيروس كورونا، وما يهمنى الآن وما أتمناه أن يبحث اللبنانيون عن أي شىء يتجمعون حوله ويتفقون عليه دون أن يتفرقوا، فالبلد بات في حاجة ماسة للوحدة الوطنية.
■ إذن ما هو الحل لخروج لبنان من أزمته السياسية والاقتصادية؟
- الحل في تأسيس دولة علمانية تعمل على مساواة كافة المواطنين المسلمين بطائفتيهم السنية والشيعية، والدروز، ومسيحييها بكافة طوائفهم، واليهود، وكل من يسكن لبنان، دون أن يحتاج المواطن اللبنانى جواز سفر أجنبيا، حتى يحصل على حقوقه، وأن يكون لبنان دولة تحترم الحريات الدينية وتكفل الممارسة الحقوقية والدينية وحرية الرأى والتعبير، وخلاصة القول أن لبنان يحتاج أن يذهب إلى نظام جديد من أجل مصلحة الوطن والمواطن، وهذا لن يحدث في يوم وليلة.
■ قبل الحديث عن هذا التغيير الجذرى، هل سيقبل «حزب الله» بدولة «علمانية»؟
- يجب أن يكون هناك حوار وطنى واسع وشامل، والعمل يدا واحدة، دون إقصاء أي رأى على حساب آخر، وبالتالى هناك ضرورة لأن يشارك الحزب في الحوار على أسس النهوض بالدولة اللبنانية.
■ أعود لما تحدثت عنه وقولك إن التغيير لن يحدث في يوم وليلة.. لكن هل ينتظر الشعب سنوات لتحقيق آماله وأحلامه؟
- بالفعل لن نصل إلى الإصلاح الكامل في ظل النظام الطائفى، الذي نعيش فيه، وأعتقد أنه إذا كانت هناك جدية من قبل السياسيين في لبنان لتغيير البلد للأحسن، فهناك ضرورة للبدء فورا في إصلاح النظام السياسى تدريجيا من خلال تشكيل حكومة انتقالية، تقوم بالتحضير إلى الانتخابات البرلمانية وتقوم بإصلاحات جوهرية، ثم العمل على تشكيل مجلس شيوخ وتغيير قوانين الأحوال الشخصية المدنية، وإن كنت أعتقد أن الطريق صعب وطويل جدا، لكن نحن أمام خيارين إما بناء الوطن الجديد أو الدخول في «مزارع الطائفية».
■ لو تم تكليفكم بالحكومة أو العودة إلى إحدى وزاراتها هل تقبلين؟
- أنا لا أتهرب من المسؤولية، وأستطيع خدمة بلادى في أي منصب، لكن النظام الطائفى في لبنان يمنع وصولى إلى رأس الحكومة، التي عانينا خلال عملنا فيها على مدار 6 شهور، حيث تحملنا أخطاء 30 سنة ماضية، تسببت في الكثير من الخسائر لدى قطاعات الشعب اللبنانى.
■ تتحدثين عن خسائر بحق اللبنانيين.. من هي الفئة الأكثر تضررا؟
- الانهيار المالى ضرب كل فئات الشعب اللبنانى، أغنياء وفقراء، ودعنى أؤكد لك أن الشعب كله «بيروح للفقر»، فجميع أبناء الطوائف والمذاهب خسروا كثيرا بسبب التدهور الاقتصادى، لذلك يجب على الجميع أن يدركوا أن الخدمة تكون للوطن وليس لفئة معينة، ومن غير المعقول أن يخدم الشخص ويقدم مصلحة حزبه السياسى أو طائفته الدينية على حساب الوطن، فالمسؤولية جماعية وأنا جزء منها، لكن «الإيد وحدها ما تصقفش»، فيجب أن تعمل الحكومة والمعارضة يدا بيدا وليست بمعزل عن بعضها البعض.