x

من نختار نقيبا للصحفيين؟

الثلاثاء 08-12-2009 00:00 |

بعد أيام خمسة سيكون الصحفيون المصريون على موعد مع فصل جديد رائع فى تاريخ نقابتهم العامر بالكفاح من أجل إعلاء حرية التعبير، وتعزيز القدرات المهنية، وجعل أرباب القلم كراما لا يتكففون أحدا، أحرارا لا يبيعون مدادهم وسطورهم، ولا يديرون ظهورهم للناس الذين يعولون عليهم فى الانتصار للحق والعدل والخير والجمال.

وبعد أن تقررت إعادة الانتخابات إثر المنافسة الشرسة فى مرحلتها الأولى بين فرسى الرهان، الأستاذين الكبيرين مكرم محمد أحمد وضياء رشوان سألنى كثيرون عن الصفات والسمات التى يجب أن تتوافر فى النقيب القادم، فقلت لهم من دون تردد: نريد نقيبا يجمع أشتات الصحفيين، ويوحد صفوفهم، ويلم شملهم ويقيم بينهم ما يمنع تلاسنهم أو تخاصمهم، ويؤسس ما يراقب أداءهم ويعزز تفاهمهم، فيكون بوسعهم أن يصوبوا أى خطأ، ويصححوا أى زلل، قبل أن يستهجنهم الناس أو تجرمهم السلطة، أو تتأخر بهم صاحبة الجلالة.

ولا نريد نقيبا يصب على نار التشرذم والتفتت والتنابذ زيتا من فيض غليانه وعصبيته وحدته وتسلطه وجدول أعماله، المصنوع فى بيت السلطان، أو بأيدى قلة من بيننا متحكمة فينا، فنزداد فرقة، ونفتح ألسنتنا وأيدينا وملامحنا على جميع أصناف العنف، المادى والمعنوى والرمزي، فنفقد دورنا كقادة للرأى، ونجنح إلى ما يشوه صورتنا فى أذهان الناس.

نريد نقيبا للصحفيين يقف بينهم، ويشد على سواعدهم، ويفاوض الحكومة باسمهم من أجل تحصيل حقوقهم المهضومة والدفاع عن حرياتهم المنتهكة، لا نقيبا يقف فى صف أهل السلطة ليضغط على الصحافة والصحفيين، ويبيعهم لأهل الحكم بثمن بخس، ويقايض بسعر رخيص على حرياتهم ومهنيتهم وحقهم فى حياة كريمة، ويعمل فقط لحساب مصلحته الضيقة، وأنانيته المفرطة، التى تصغر من أجلها فى عينيه المصلحة العامة لجموع الصحفيين فى المؤسسات كافة.

نريد نقيبا يخاطب «العقل» وينتصر لجلاله وقدراته وملكاته، ويفسح صدره لزملائه وتلاميذه فيصيخ السمع إلى شكاواهم واقتراحاتهم، ويتعامل معها بفهم، ويتصرف فيها بعزم وحزم، من دون أن تفارقه الابتسامة أو يكسو وجهه أى نوع من التجهم أو ينفجر صوته هادرا زاعقا، وتنزلق كلماته إلى ألفاظ نابية يندى لها الجبين، وتتأذى بسماعها الأذن.

ولا نريد نقيبا يجعجع كثيرا عن «البطن» فيفرض علينا الرضا بالفتات المتاح، والرشاوى الموسمية التى تقدمها لنا الحكومة عند أبواب الانتخابات النقابية، من أجل تعويم رجالها الكبار بيننا، فيضعون كل جهدهم فى تأخير حقوقنا المشروعة فى أجور مناسبة، تحفظ لنا كرامتنا، وتصون حريتنا، على أساس القاعدة الذهبية التى تقول: «لا حرية لجائع ولا كرامة لعريان».

نريد نقيبا ينتصر لحرية الصحافة، فينخرط فى تفاوض جاد مع الحكومة من أجل إلغاء كل المواد القانونية السالبة للحريات، فننجو جميعا من غياهب السجون وفداحة الغرامات.

ولا نريد نقيبا يضع كل اهتمامه فى إبرام صفقات مع السلطة من أجل الإفراج عن زميل لنا، يعمل فى هذه الصحيفة أو تلك، إفراجا مؤقتا، قد نهلل له يوما أو يومين، ثم تفجعنا وقائع وحوادث جديدة للحبس والغرامات، فنعود من حيث بدأنا، وكأن قدرنا هو قدر «سيزيف»، الذى كان كلما تمكن من أن يصعد الجبل حاملا صخرته الكبيرة، سقطت منه إلى السفح، فهبط ليحملها من جديد، فى عملية لم تنته أبدا.

نريد نقيبا يدرك حجم المأساة التى تعيشها الصحافة المصرية، التى هبطت من القمة إلى القاع، وتقهقرت من المقدمة إلى المؤخرة، بفعل من خربوها ونهبوها وسرقوها وقعدوا عن الأخذ بيدها، فلم يعنهم تدريب من استجد على المهنة، ولا تعليم من يريد أن يصقل موهبته ويتقن حرفته. ولا نريد نقيبا خارج الزمن، غير واع بما آلت إليه صحافتنا، وغير مقدر لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، ولا قادر على أن يواكب كل ما يطرأ عليها، وما يستحدث من أصنافها وألوانها، وطرق تحريرها وعرضها وتوزيعها.

نريد نقيبا يعى حجم الخطر الذى يهدد نقابتنا العريقة فى هذه اللحظة الفاصلة الفارقة من تاريخها المديد، فيقف فى وجه كل ما يقصدها بسوء، وكل من يسعى إلى تحويلها، إما إلى ناد نلعب فيه الطاولة، أو إلى فرع للمباحث يمارس فيه العسس هوايتهم الممقوتة فى تعقب ومراقبة كل صاحب قلم حر ورأى مستقل. ولا نريد نقيبا يتصور أن بوسعه أن يكتم أفواهنا، ويكبت أصواتنا، ويصادر حريتنا، ويسوقنا كقطيع من الغنم، أو طابور من العبيد، ينحنى أمام كل أمر تأمره السلطة، وينصاع أمام أى قرار تقرره، حتى لو كان فيه ما يدمر صحافتنا، ويشردنا كما يتشرد العمال كل يوم، من دون هوادة ولا رحمة.

نريد نقيبا من بيننا يصون للصحافة هيبتها وللصحفيين كرامتهم، فلا يسخر قلمه يوما للدفاع عن فاسد، أو المنافحة عن مستبد، يؤمن بأن الصحافة ملك للشعب وليست من ممتلكات السلطة، دورها إحاطة الناس خبرا بما يمكنهم من معرفة ما يجري، وتبصيرهم بما يجب أن يتخذوه من مواقف، وولاؤها يكون للقارئ وحده، صاحب الفضل الأول فى خروج كل الصحف إلى النور، والذى بوسعه أن يمنحها النجاح المستمر أو الفشل الأبدى. ولا نريد نقيبا يعتقد أن صحافتنا سقط متاع أو نفحة من فيض السلطان، ولاؤها له، وهو قارئها الوحيد، ورقيبها وموجهها الأوحد.

نريد نقيبا واضحا كالشمس، قاطعا كالسيف، يكره الألوان الرمادية، ويمقت الوقوف فى منتصف المسافات، ويبغض الرقص على الحبال، وممارسة الأدوار المتناقضة، ومصادرة حق جيل جديد بنقابتنا العريقة فى أن يتقدم ويتحقق، فلندع أزهارا أخرى تتفتح، ومصر عامرة بالرجال، والمستقبل ينادى من يؤمن به ويعمل له، وليس من يريد أن يطلق أى فرحة فى لحظة إسدال الستار، حتى ولو على حساب مصالح الصحفيين وأشواقهم إلى الحرية والكفاية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية