عادة ما تتحول ذكرى غزو العراق للكويت واحتلال أراضيها، في كل عام، إلى جدال لا يحيد عن سؤال هل شاركت مصر حقًا في تحرير الكويت؟
تتعالى قلة قليلة لأصوات رافضة لنسب الفضل لمصر في تسريع تحرير الكويت، ويستند هذه الفئة لتصريحات مبتورة للرئيس الراحل محمد حسني مبارك قال خلالها «كان من الصعب إرسال نصف القوات المصرية (في ثانية) للمشاركة في تحرير الكويت».
كما تستند هذه الفئة أيضا إلى تصريحات اللواء محمد على بلال، قائد القوات المصرية في الخليج في ذلك الوقت، والتي ذكر خلالها أن «مصر لم تشارك بأي قوات على الأرض في معركة التحرير التي استمرت أكثر من 6 أسابيع».
ولكن يبقي السؤال.. ما هو الدور المصري في تحرير الكويت؟
في مقال نشرته صحيفة «القبس الكويتية» بالتزامن مع وفاة مبارك، بعنوان «حسني مبارك الذي أحبه الكويتيون»، يقول كاتب المقال: «كان موقف الرئيس مبارك في أزمة احتلال الكويت موقف الزعيم القائد الملتزم بقضايا العروبة والشعوب العربية إذ سعى بموقفه الرافض بشدة للاحتلال العراقي لحقن دماء الأشقاء العرب، حيث حاول بكل ما أوتي من عزم وقوة وخبرة وحنكة لإقناع صدام حسين بسحب قواته من الكويت لكن الأخير أصر على عناده».
ويضيف كاتب المقال: «لم ييأس الرئيس المصري السابق ولم يتوان عن طرق كل الأبواب واستخدام جميع السبل بغية نصرة الحق الكويتي، فدعا لقمة عربية طارئة احتضنتها القاهرة في 10 أغسطس، وأعلن فيها عن دعمه وتضامنه الكامل مع الكويت».
حينها، روي مبارك وقع خبر الغزو العراقي على الكويت عليه في أغسطس 1990 قائلا إن «الاجتياح العراقي للكويت يعيد حياة أمتنا إلى الجاهلية الأولى، وإننا نرفض بشكل قاطع الاجتياح العراقي للكويت واعتداء القوي على الضعيف، وسلب حامل السلاح الأعزل روحه وماله وأرضه وتحل الفرقة والتمزق محل الوحدة والتجمع، ويشيع الصراع والقتال والخصام بين الاشقاء».
وفي لقاء عن تلك المرحلة، قال مبارك: «الموقف الذي اتخذته مصر الدولة، لم يكن قراري وحدي، بل كان قرار الشعب أيضا، كان يستند إلى شرعية جماهيرية واسعة، وكان يستمد شرعيته من نبض الشارع المصري، ومن اتفاقية الدفاع العربي المشترك».
وأضاف: «كان الشعب يشعر بالغضب تجاه العدوان العراقي، ويشعر بالأسى لما يحدث للشعب في الكويت، وكانت اتفاقية الدفاع العربي المشترك تلزمنا بالدفاع عن حرية شعب، وعن أرض شعب تعرض للعدوان، وأذكر أن العراق ادعى أن الموقف المصري بمناصرة الكويت يلغي اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ولا أدري كيف الغيناها، وقد كنا أول دولة وقفت إلى جانب الكويت، أليس هذا تطبيقا فعليا وأدبيا ومعنويا للاتفاقية؟».
وتابع مبارك حديثه: «أذكر أننا لم نكتف بالتأييد اللفظي، بل وضعنا كل إمكاناتنا تحت تصرف الكويت».
وعن اتخاذ القرار بعد عناد صدام، قال مبارك: «أبلغت صدام حسين بأن قراءته للمشهد الدولي خاطئة ويجب أن يعيد حساباته، وقلت له إن العمل العسكري قادم ضدك لا محالة إذا لم تنسحب، ولكن لم يكن هناك فائدة، ورد عليّ من خلال تصريح لوزير إعلامه قال لي لإنت خفيف ومش فاهم الوضع».
اتخذ مبارك قرارا بإرسال قوات مصرية إلى الخليج للدفاع عن حقوق الكويت، لتكون مصر من أوائل الدول العربية المبادرة بإرسال نحو 40 ألف جندي لنصرة الكويت.
وصلت طلائع القوات المسلحة المصرية إلى المنطقة الشرقية في السعودية، استجابة لطلب المملكة في مؤتمر القمة العربية، الذي انعقد في القاهرة يومي 9 و10 أغسطس.
كانت قوات المظلات والصاعقة المصرية أول قوة برية عربية ودولية تصل للدفاع عن السعودية، فيما عرف بعد ذلك بعملية (درع الصحراء) ضد أطماع صدام حسين التوسعية.
تلك العملية تطورت بعد ذلك لتصبح دفاعاً عن الخليج، ثم العملية الهجومية «عاصفة الصحراء»، لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي.
كما وصلت قوات المظلات المصرية أيضا إلى الإمارات للدفاع عنها، وعززت مصر قواتها في السعودية بما عرف وقتها بـ«الفيلق المصري»، ووصل مجموع القوات إلى 40 ألف مقاتل، لتشكل رابع أكبر قوة برية بعد الولايات المتحدة والسعودية وبريطانيا.
ويذكر الكويتيون بكل الخير وقفة مصر الحاسمة حتى تحرير بلدهم، وكيف كان مبارك أول رئيس يأتي إلى الكويت للتهنئة بتحريرها.
وتحولت وفاة مبارك إلى دفتر لشهادة الدور المصري البارز في تحرير الكويت؛ ففي نعيه للرئيس مبارك، أكد وزير الخارجية الكويتي، الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح، أن الكويت لا يمكن أن تنسى دور مصر والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في تحريرها من الغزو العراقي.
وقال الشيخ أحمد ناصر، على هامش تقديمه واجب العزاء في الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بمقر سكن السفير المصري لدى الكويت طارق القوني: «تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، الذي كان له دور مميز فيما يخص الأمور والقضايا المتعلقة بالأمتين العربية والإسلامية؛ حيث نتذكر مواقفه الصلبة والراسخة والحازمة في رفع الاحتلال وعودة الشرعية وتحرير الكويت».
وأكد أن الكويتيين لا يمكن أن ينسوا أن الرئيس الأسبق مبارك، بادر بعد الساعات الأولى للغزو، إلى جمع العرب، من خلال دعوته لاجتماع قمة عربية استثنائية، لإدانة الغزو العراقي والعمل على تحرير الكويت، مشددا أن الشعب الكويتي يعتبر الرئيس الأسبق مبارك، أحد الفرسان البارزين في تحرير الكويت.
وفي حوار سابق أيضا لمبارك مع الصحفية الكويتية فجر السعيد تحدث عن كواليس هذا القرار قائلا: «بعد موافقة مجلس الشعب المصري أرسلت قوات للسعودية ضمن قوات التحالف لتحرير الكويت، والشيخ زايد طلب مني قوات لحماية آبار البترول عنده فأرسلت له لواء صاعقة، والقوات في السعودية كانت مهمتها محددة بتحرير الكويت وليس دخول العراق».
الشهادات التي تثبت موقف مصر في تحرير الكويت لم تتوقف منذ حرب التحرير، ففي 26 فبراير الماضي، نعى مجلس الوزراء الكويتي الرئيس مبارك قائلا: «في غمرة مشاعر الاعتزاز التي يعيشها الكويتيون في عيد الكويت الوطني ويوم التحرير المجيدين، فإن دولة الكويت قيادة وشعباً تستذكر بكل الامتنان والتقدير مواقفه التاريخية الحازمة ودوره المحوري في تشكيل الموقف العربي الرافض منذ اللحظات الأولى للغزو الصدامي الغادر على دولة الكويت، والتأسيس لقيام أقوى تحالف دولي في مواجهة جريمة الغزو الغاشم إلى أن استعادت دولة الكويت حريتها وسيادتها».
وبأمر من أمير الكويت، قرر مجلس الوزراء إطلاق اسم (حسني مبارك) على أحد الصروح المهمة في دولة الكويت تقديرًا لدوره في تحرير الكويت.
وقال الإعلامي الكويتي، نـدا الظفـيــري، في الذكرى الثلاثون لتحرير بلاده: «ماذا لو لم تكن مصر، وماذا لو لم يكن رئيس مصر الراحل، الزعيم محمد حسني مبارك،
غشيتك يا مصر الرحمة والفخار إلى يوم الدين، كل من وقف ضد الكويت انظروا إلى بلاده، اليوم.... التاريخ تذكرة وعبرة.. ولله الأمر».