في ظل ما تفرضه جائحة كورونا من إجراءات صارمة على المصلين في المساجد والساحات العامة، يقع على كاهل الفلسطينيين أعباء إضافية فرضتها قوات الاحتلال، إذ يستقبل المقدسيون عيد الأضحى بين تضييقات الاحتلال وتهديدات المستوطنين الإسرائيليين الداعية إلى اقتحام ساحات المسجد الأقصى، في يوم عرفة، ما يجعل الصلاة في ساحاته تحديًا هائلًا.
وكان عشرات المستوطنين الإسرائيليين، أقدموا، أمس الأربعاء، على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وهو ما وصفته وكالة «وفا» الفلسطينية بـالاعتداء المتكرر على حرمة المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة.
وبحسب خطيب المسجد الأقصى، والمفتي العام للديار الفلسطينية، محمد حسين، أتت هذه الخطوة الاستفزازية عقب دعوات ممنهجة أطلقتها مجموعات متطرفة من المستوطنين الإسرائيليين قبل يومين، لاقتحام ساحة المسجد الأقصى، يوم الخميس، وقفة عرفة، وهو ما دفعه كخطيب المسجد الأقصى، والمفتي العام للديار الفلسطينية، لإصدار فتوى رسمية، الإثنين الماضي، بوجوب الدفاع عن الأقصى بتكثيف تواجد وحضور من يستطيع من الفلسطينيين يوم عرفة للوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ردًا على توفيره ظهير أمني لتنفيذ تلك الدعوات العنصرية.
واستجابة لتلك الفتوى، دعت هيئة المرابطين بالقدس، وعددٌ من المقدسيين، جموع الفلسطينيين، تكثيف التواجد في المسجد الأقصى، في إطار ما أسموه «الرباط بالأقصى».
في هذا الإطار، نستعرض كيف يستقبل المقدسيون عيد الأضحى، في ظل تهديدات المستوطنين باقتحام ساحات المسجد الأقصى، ومن هي الجماعات الداعية إلى تلك الاعتداءات، وما الذي يدفعها لذلك.
«تاج ماحير» تدعو لاقتحام «الأقصى»
قال الشيخ محمد حسين، خطيب المسجد الأقصى والمفتي العام للديار الفلسطينية، لـ«المصري اليوم»، إن المستوطنين الإسرائيليين يحشدون لاقتحام ساحة المسجد الأقصى، اليوم الخميس، يوم وقفة عرفة، وأن عشرات المستوطنين أقدموا، أمس الأربعاء، على هذا الاقتحام، لافتًا إلى أن هؤلاء المستوطنين ينتمون إلى جماعات يمينية متطرفة تعرف باسم «تاج ماحير» وهي بالعربية تعني «تدفيع وجباية الثمن»، وأن تلك الجماعات تتعمد القيام بأفعال استفزازية لإفساد قيام الشعائر الإسلامية في «يوم التروية»، وأن تلك الجماعات متمرسة إفساد إقامة الشعائر الإسلامية والاعتداءات على المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وأنهم قاموا بإحراق مسجد البر والتقوى، الواقع في مدينة البيرة قبل يومين، وسجلوا عبارات عنصرية على جدرانه.
الاحتلال يوفر الظهير الأمني للجماعات المتطرفة
وأشار «حسين» إلى أن "القدس المحتلة تشهد حالة من الترقب الحذر، جراء تماهي الاحتلال الإسرائيلي مع هذه الجماعات المتطرفة، لفرض أمر واقع بحرمان المقدسيون من حقهم في إقامة شعائرهم الدينية، وأنها بصفتها السلطة الرسمية لهؤلاء المستوطنين توفر الظهير الأمني لتنفيذ تلك الاعتداءات العنصرية بدلًا من ردعها".
ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بالمساس بمقدساته، في ظل ما أسماه دعوات العصابات اليمينية المتطرفة للحشد لاقتحامات واسعة النطاق للمسجد الأقصى، في يوم عرفة.
تزامن مناسبات دينية وحالة ترقب
في الإطار ذاته، قال يوسف مخيمر، رئيس هيئة المرابطين بالقدس، إن «عصابات تدفيع الثمن» تحتفل الآن بالتزامن مع عيد الأضحى، بما يسمى بـ«ذكرى خراب الهيكل»، وأن احتفالاتهم تضمنت تنظيم مسيرات عنصرية في حارات وأزقة البلدة القديمة بالقدس، كما شملت بعض الافعال الاستفزازية، والاعتداءات على ممتلكات بعض الفلسطينيين.
ولفت إلى أنه رغم أجواء الحذر والترقب التي يعيشها المقدسيون، نتاج تلك الأفعال العنصرية، إلا أن هناك دعوات لتكثيف حضور الفلسطينيين داخل المسجد الأقصى لأداء صلاة عيد الأضحى، والرباط في ساحته، على حد تعبيره.
وأشارت الناشطة المقدسية، مريم أبونجمة، إلى أنها شاهدت من منزلها الملاصق للمسجد الأقصى والمطل على قبة الصخرة، توافد عشرات المستوطنين الإسرائيليين على ساحة المسجد، وأنهم كانوا يتعمدون القيام ببعض الأفعال الاستفزازية، أثناء تأديتهم شعائرهم الدينية، كـالتلويح باليدين أو قول عبارات تفيد بأن الأقصى لهم، مؤكدًة أن قوات الاحتلال التي كثفت تواجدها الأمني لمحاصرة الراغبين في الصلاة داخل المسجد الأقصى من الفلسطينيين، غضت الطرف عن تلك الأفعال الاستفزازية التي قام بها المستوطنون.
«تاج ماحير» تاريخ من التطرف
في هذا الإطار، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، والخبير بالشؤون الإسرائيلية، إن جماعة «تاج ماحير» لها تاريخ من التطرف، وأن خطورتها تتجاوز محاولات الاعتداء على المقدسات إلى ما هو أخطر من ذلك، لكونها إحدى الحركات اليمينية المتطرفة التي تتبنى ما يعرف بـ «خطة تهويد القدس 2050»؛ إذ تدعو لهدم المسجد الأقصى تماما وإقامة ما يسمى بـ «محراب الرب» أو «الهيكل الثالث» على حطامه، وطرد الفلسطينيين من القدس وإحلال المستوطنين الإسرائيليين بدلًا منهم، وإقامة الكنتونات إسرائيلية إلى جوار ما يسمونه «محراب الرب».
وأضاف أن هذه الجماعات مستندة إلى تبني فكر ديني متطرف، وأنها تتمتع نسبيًا بظهير إعلامي وسياسي داخل المجتمع الإسرائيلي، إلى جانب الظهير الأمني التي يوفره لها الاحتلال، فلهم ممثلين في بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة الصغيرة.
ولفت «فهمي» إلى أن تلك الجماعات تتلقى تمويلات كبيرة من المنظمات الصهيونية الأمريكية، ما يمكنهم من مزاولة نشاطهم العنصري بهدف منع إقامة الشعائر الإسلامية داخل ما يعتبرونه الأراضي الإسرائيلية، وأن تلك الجماعات سبق ونجحت في إغلاق أبواب المسجد الأقصى، وأنها أيضًا تتولى عمليات التنقيب تحت المسجد الأقصى، وهو ما كشفته حركة «بيس ناو» الاسرائيلية، التي أكدت أن قوات الاحتلال تتولى تأمين عمليات التنقيب التي تقوم بها تلك الجماعات المتطرفة تحت المسجد الأقصى، رغم علمها بأن تلك الجماعات تتبنى أفكارًا متطرفة كسعيها لهدم الأقصى لإقامة ما يسمى بـ«الهيكل الثالث».