«مجدى بيه.. فيه فلوس فى المحفظة إديها لـ(مراتى).. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله».. تلك هى الكلمات الأخيرة التى نطق بها المقدم محمد شكرى، ضابط الإدارة العامة للمسطحات المائية، وبصوت ضعيف قبل أن يرحل عن الحياة «شهيدا» برصاصة مسجل خطر فى قلب مياه النيل، أثناء قيامه بحملة على المخالفين فى النيل بمنطقة البدرشين..
الضابط الضحية أصيب بطلقة واحدة دخلت من جانبه الأيسر وخرجت من جانبه الأيمن واكتشف زميله العميد مجدى دسوقى إصابته بعد دقيقتين من إطلاق النار، واستمع لآخر كلماته وهو يحاول مساعدته أو إنقاذه دون فائدة.. الضحية توجّه إلى منطقة البدرشين يرافقه العميد مجدى دسوقى ومجند شرطة بـ«لانش مطاطى» وانطلقوا إلى وسط النيل..
هناك تعليمات من الإدارة بضبط المخالفين ومطاردة عدم حاملى التراخيص ومراجعة شباك الصيد وهل تطابق المواصفات ولا تصطاد سمكا صغيرا.. توقف اللانش على بعد 20 مترا من مركب صيد.. الضحية يسأل قائد المركب: معاك تراخيص؟.. يرد الرجل بهدوء: لأ.. يسأله الضابط مجددا: معاك بطاقة شخصية؟.. يرد الرجل بهدوء أيضا: لأ.
يطلب العميد مجدى من المجند قائد اللانش أن يقترب من المركب.. تحرك اللانش وتوقف على بعد 5 أمتار من المركب.. لحظات وأخرج قائده طبنجة وأطلق رصاصتين فى الهواء.. قال العميد مجدى فى التحقيقات إنها «طبنجة صوت»..
وقال الضابط الضحية: «فعلا دى طبنجة صوت».. وطلب من المجند أن يقترب أكثر من المركب.. فى أقل من دقيقة.. ظهر الوجه الحقيقى لصاحب المركب.. أخرج بسرعة بندقية آلية وصوبها تجاه لانش الشرطة وأطلق أعيرة نارية على الثلاثة.. وعاد المجند بسرعة إلى الخلف باللانش.. دقيقتان وجاء صوت الضابط شكرى ضعيفا وشاهد مرافقاه دماء تنزف بغزارة.. الضحية قال لرئيسه فى العمل: «يا مجدى بيه فيه فلوس فى المحفظة إديها لمراتى.. أشهد أن لا إله الله وأن محمدا رسول الله».. «المرافقان» لم يسمعا كلمات أخرى من الضحية.
النيابة بإشراف المستشار حمادة الصاوى المحامى العام الأول لنيابات جنوب الجيزة استمعت لأقوال العميد مجدى دسوقى ومجند الشرطة وحولت الأخير إلى مصلحة الطب الشرعى لبيان سبب وكيفية حدوث إصابته فى الظهر.. وانتقل أسامة سيف مدير نيابة الحوادت، وهشام حاتم وكيل النيابة إلى مكان البلاغ للمعاينة وعاين اللانش الذى كان يستقله الضحية وعثر على طلقات فارغة بداخله.. حرزها وأثبت ذلك فى المعاينة وأرفقها بأوراق التحقيقات.
وضعت الشرطة يدها على هوية مرتكب الجريمة وتبين أنه مسجل خطر من قرية مزغونة وسبق اتهامه فى 7 قضايا.. وحددته الشرطة من خلال لوحة معدنية موجودة على المركب.. وتبين بالكشف على إدارة تابعة للثروة السمكية أن المركب يمتلكه شاب من الحوامدية وأن المتهم يعمل به.. وتكثف أجهزة الأمن فى أكتوبر من جهودها لضبط المتهم تنفيذا لقرار النيابة العامة.
وشيع العشرات ظهر أمس جنازة الشهيد المقدم محمد شكرى، رئيس مباحث المسطحات المائية بأكتوبر، وسط صرخات أفراد أسرته وزملائه الذين انهاروا أثناء مراسم الجنازة وتعالت صرخاتهم لتغطى على أصوات الموسيقى العسكرية التى صاحبت تشييع الجثمان.
وحضر الجنازة عدد كبير من القيادات يتقدمهم اللواء الدكتور ماجد جورج، وزير البيئة، وعدد من اللواءات من ضمنهم عدلى فايد مساعد الوزير للأمن العام وعبدالله الوتيدى وعبدالرحيم قناوى واللواء عادل عامر مدير الإدارة العامة للمسطحات المائية.
قال اللواء ماجد جورج وزير البيئة: «إن الفقيد من الشهداء ونحتسبه عند الله ونطلب أن يلحقنا به، ويتغمده برحمته ويلهم أهله الصبر والسلوان ويشهد له بالكفاءة وحسن الخلق». وأضاف اللواء عادل عامر، مدير الإدارة العامة لشرطة المسطحات المائية، أن الشهيد كان يقود حملة من الساعة الخامسة فجراً لإعادة الانضباط وضبط المخالفين.
ووقف أبناء الشهيد محمد شكرى فى حالة انهيار شديد، وبجانبهم أشقاء الشهيد لتقبل واجب العزاء من الحاضرين، ويذكر أن الشهيد لديه ولدان وفتاة أكبرهم فى الثانوية العامة ورفضوا الكلام وكانت دموعهم تغطى وجوههم.