فى بدايات أغسطس من كل عام، كان الرواق المحيط بصالة التحرير بالدور الرابع فى مؤسسة الأهرام يهدأ، وتسيطر عليه حالة استرخاء واضحة لسفر نائب رئيس التحرير الذى لا تتوقف متابعته الدائبة لما يدور بأقسام الصحيفة.. كان ارتحال سلامة السنوى إلى ألمانيا لزيارة ولديه وغيابه شهراً كاملاً عن الصحيفة اليومية المخضرمة يحدث تغييراً ملحوظاً فى سير العمل خلال فترة تولى إبراهيم نافع رئاسة الصحيفة، التى كان يكتب الكاتب الراحل سلامة أحمد سلامة مقاله اليومى «من قريب» ويشغل منصب نائب رئيس تحريرها. تبدل الحال مع تسمية أسامة سرايا، رئيساً لتحرير الأهرام، خلفاً لـ«نافع» عام 2005، لتتباعد مقالات الكاتب الراحل التى كان يحرص على يوميتها إلا فى شهر الغياب السنوى، تمهيداً لأن تختفى المقالات تماماً وتتردد فى الوسط الصحفى أخبار حول تكرار رفض مجلس تحرير صحيفة الأهرام اليومية نشر مقالات سلامة أحمد سلامة، استجابة لأوامر «سيادية» غاضبة.
الكاتب الراحل الذى شغل منصب نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام اليومية وأشرف أثناء عمله فيها على أقسام الأخبار والاستماع السياسى وقسم الشؤون العربية والدولية، فى رحلة عمل استمرت حوالى 44 عاماً داخل صالة تحرير المؤسسة العريقة، لم يلفت اختفاء مقاله اليومى انتباه الرأى العام، لكنه كان محور حديث الجماعة الصحفية عندما قام سرايا ومرسى عطاالله «رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق»، بمنع مقال لـ«سلامة أحمد سلامة» فى الخامس عشر من مارس عام 2009، كان يتناول فيه انهيار مهنة الصحافة وخضوعها للمشروعات السياسية للسلطة، ليكون مقال سلامة بداية فى سلسلة، منع أدت لمغادرة سلامة ثم فهمى هويدى الصحيفة.
عُرف «سلامة» منذ بداياته فى مهنة الصحافة بالحرص على القيم المهنية المتعلقة بتقصى المعلومات وإيصالها للقارئ بحياد. وظلت الهموم الخاصة بالصحافة محوراً لكثير من كتاباته، حتى أصدر فى يناير 2009 قبل أسابيع من منع مقاله فى صحيفة «الأهرام» كتابه الأخير «الصحافة فوق صفيح ساخن» والذى تناول فيه المخاطر التى تحيط بمهنة الصحافة والعاملين فيها والتى تهدر مصداقية الصحف وتؤثر على قيامها بدورها الاجتماعى فى نشر ديمقراطية المعرفة.
التحق سلامة أحمد سلامة بأخبار اليوم بعد أشهر قليلة من تخرجه فى كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1953، حيث درس الفلسفة، وتخصص «سلامة» منذ بداية عمله الصحفى فى الشؤون الدولية، وغادر إلى ألمانيا ليعمل مراسلاً لـ«أخبار اليوم» بين عام 1957 وحتى عام 1964، وانتقل بعدها للعمل كمراسل للأهرام بالدولة نفسها حتى عام 1969.
عاد سلامة بعدها إلى مصر ليتدرج فى المناصب داخل صحيفة الأهرام، بدءاً من منصبه كنائب لرئيس قسم الشؤون الدولية ثم مديراً للقسم، ثم مشرفاً على قسم الاستماع السياسى، فقسم الأخبار قبل أن يصل إلى منصبه كنائب لرئيس تحرير الصحيفة ومشرف على العمل اليومى بها، وقام بمهام مدير تحرير الصحيفة لسنوات بالتبادل مع زملاء له، منهم الراحل عبدالوهاب مطاوع.
أصدر سلامة أحمد سلامة عدة كتب، من بينها «المناطق الرمادية» و«الشرق الأوسط الجديد» و«الصحافة فوق صفيح ساخن». وقبل أيام قليلة من وفاته مساء الأربعاء 11 يوليو، كتب سلامة أحمد سلامة مقاله الأخير مهاجماً «فوضى نشر الأخلاق والدين بقوة السلاح»، فى تعليق على حادث مقتل طالب الهندسة بمدينة السويس على يد بعض المتشددين.