ويحسبنى البعض سفير النساء فى ممالك الرجال، أو المندوب السامى فى دولة الاحتلال، أو محاميا ونصيرا وسندا للمرأة فى كل سجال، وبت على حد قول بعضهم: أخونا هذا «يقصدنى» يتودد ويتلطف ويشاغل، فربما يفوز بالود من بعضهن، أو يظفر بلقب نصير المرأة، ولم يشغلنى هذا يومًا، أو اشتقت إليه، ولما تروح مواقفى ومساندتى دون أن أدرى ودون إذنى عند كيد بعضهن ويفزن أو ينلن مآربهن، يحسبنى البعض شاهد زور، أو يفيض منى حديث الإفك أو خطاب الضلال، وهذا هو الأسوأ فى الموضوع، كقاض انتصر لعشرات المظلومين، وأصاب بحكمه هذا مصلحة لظالم فطغى وتجبر، ولا ذنب لهذا القاضى، فلم يستحضر الظالم ولم ينتصر له، بل استحضر المظلوم وأعانه ونصره، وكان ساعتها منصتا ومجيبا وملبيا، ولا يعرف خبايا الأيام، كما لم يعرف مكتشف «الترامادول» أن الترياق يوما سيباع للمدمنين ويرتكب باسمه جل الموبقات، فهو معفى من اللوم والذنب، أما من كاد منهن ومكر وخدع، وفاز على الرجل بجولة فى الحرام، فأقسم أننا كنا عندها مغيبين أو مضللين، أو فاتت ومرت علينا دون أن ندرى.
ويشكو الكثير من الرجال النساء، فمنهن من يذهبن فى العند كما يذهب الرجال ويزدن، ويتجبرن كما يتجبر الجبابرة، ويتعسفن كما يتعسف المتعسفون، ويعصين كما يعصى العتاة المتمردون، ومعروف لدينا أن المرأة تتفوق على الرجل فى خصاله، ولا يتفوق عليها الرجل فى خصالها فضيلة أو رذيلة، فإذا غدرت كان لغدرها التفوق والريادة، وإذا أحبت وأخلصت كان لحبها قصائد من الشعر ألوان وأشكال، وإذا كرهت وغضبت، أصابها العمى وذهب عنها البصر والبصيرة، وطاحت بالعصا فى كل ما طالته من بعيد ومن قريب، فكان إذا حرمها الرجل الرؤية مثلا فهو يلين ويرق عادة، وإذا حرمته هى غالت وأبدعت فى الحرمان، وإذا غدر تراجع يوما وأقدم يومين، أما هى فتغلق الأبواب فى وجهه شهورا، أعرف صديقا كان على المعاش حرمته زوجة ابنه رؤية أحفاده سنينا عددا، وقد كان يشتاق إلى ضمهم إلى صدره فى عجزه ووهنه حتى مات محسورا، ولم تتراجع أو تلين، ولا أظن أننا نحسب هذا التفوق بعدل، فربما ذاقت المرأة صنوف العذاب، وكتمت وحبست أنفاس الأنين، فلما ضاقت واستفحلت، انفجرت كما ينفجر البركان، وثارت وهاجت ورمت حممها فى كل اتجاه، حتى رحل كل من حولها، عدو وحبيب، فلا محاورة ولا مناقشة ولا سلام مع البركان، هذا عن بعضهن، ومنهن كثيرات تختزن الأحداث ولا تنسى من أساء لها يوما، وربما تنسى من أحسن وكان فضله عليها عظيما، وتتمسكن حتى تتمكن، وتفتح للجميع الدفاتر القديمة والجديدة، لمن قال عنها يوما كلمة، أو كان لها منه موقف، ويوما موعودا تحاسب فيه الصغير قبل الكبير، عموما الغالبية مظلومة ومقهورة حتى تاريخه.
وعندنا الكثير من قصص لا أكاد أصدقها عن تعنت البعض من النساء فى رؤية الأب لأولاده، أو التصرف فى تحويشة العمر لرجل أضاع عمره وأفناه فى العمل خارج البلاد وأرسل لها مدخراته، فأستأثرت بها وأستحوذت عليها وختمت حديثها معه «أمك فى العش ولا طارت» وأخريات هاجرن بأولادهن وحرمن الرجل فرصة اللقاء بأولاده يوما، هناك رجال يبكون من ظلم النساء، نعم وأصدق.. إلا أن الظلم يميل كثيرا ناحية المرأة من الرجل، وأحسب أن هذا الطرف وهى المرأة، تسارع إلى العنف المضاعف مخافة ظلم الرجال، وفى الغالب تسبقها حكاياته ومظالمه ورواياته، فتترقبها وتقف لها على الأبواب بالسكاكين والشوم، «واللى يخاف يسلم»،
وليس يلام هنا أحدهما، فهو موروث تاريخى أساء لهما، يستفز طرفًا على الآخر، ويستقوى به الرجل على المرأة، وأعطاه كافة الحقوق وأهمل الآخر، بل جعلها أكثر أهل النار، وإخبارا بالفواحش، وناقصات عقل ودين، ولو كان الشرع مع المرأة من اليوم الأول لكان للرجال مظالم النساء، وكنا نحن معشر الرجال نبيت على أبواب المحاكم نسأل النفقة أو الطلاق، ونتشحتف على نظرة لاولادنا إذا ساروا خارج الديار، وطالبنا المجتمع بجمعية حماية الأزواج من الزوجات، وكان بكاؤنا يملأ شاشات التلفاز ونسارع فى الوقوف على بوابات المظالم والمشايخ، نفك العمل هنا ونفتح المندل هناك، ونضرب الودع ونبحث عن حجاب المحبة، فربما يهدى الله النسوة من فضله، ويجعل كلامنا خفيفا عليهن.
نعود من البكاء إلى الجد، القانون هو الحل، فلا ظلم تحت رايته، ولا مجاملة لحساب الرجل على المرأة، ولا انتصار شرعى أو فقهى، عند عقد الزواج تدون كافة الحقوق والواجبات، وعند الطلاق يقف الطرفان أمام القاضى يفصل فى الطلاق وفى الالتزامات والواجبات، من طلاق ونفقة ومؤخر ورؤية ومصاريف المدارس وهكذا، ثم يذهب كل منهما إلى حال سبيله، والدولة مسؤولة عن التنفيذ، تدفع ما يستحق للمرأة من حقوق كاملة غير منقوصة، وتتولى بذاتها تحصيلها من الرجل، فإن ماطل يكون قد ماطل الدولة وليست المطلقة وأولادها، وإن كذب وتهرب فلا دخل لها بكذبه أو هروبه، عند هذا يقف الطرفان على أرضية واحدة، لا ظالم ولا مظلوم، فلا يتعسف الرجل ولا تنتقم المرأة. القانون يا سادة هو الفيصل والحكم بين الأطراف، يسن ويشرع لصالح الناس أجمعين أما غير ذلك فهو حكم طبقى بامتياز، الغالب فيه هو الرجل.