x

د. ياسر عبد العزيز «يناير» فى ذكرى «يونيو» د. ياسر عبد العزيز الأحد 05-07-2020 00:25


لم يحل «كورونا» دون الاحتفال بالذكرى السابعة لاندلاع انتفاضة «30 يونيو»، لكن الجدل والخلاف لا يزالان يلقيان بظلال على الذكرى.

ولأن مصر دولة ومجتمع ينزعان نحو الاستقرار، ويتحركان بتأن يليق بحمل تاريخى يعود إلى آلاف السنين، باعتبارات ديموجرافية ثقيلة، ومحددات جيوستراتيجية مؤثرة، فإن التغيرات السياسية الحادة والحاسمة نادرة فى تاريخها.

ومع ذلك، فقد حدثت التغيرات الحاسمة المتلاحقة فى فترة زمنية صغيرة لم تتعد السنوات الثلاث؛ إذ اندلعت انتفاضة يناير فى العام 2011، كزلزال هائل، أتى ضمن سلسلة «الدومينو العربى»، التى عرّفها البعض بـ «الربيع»، قبل أن تتحول إلى «فوضى» و«شتاء أصولي»، قادا البلاد إلى التغير الجوهرى التالى، الذى وقع بعد سنتين.

الآن وقد مرت سبع سنوات على «يونيو» وما تلاها من إطاحة حكم «الإخوان»، سيمكن مراجعة المسار، واستخلاص الدروس والعبر.

ينقسم المصريون إزاء الانتفاضتين انقساماً واضحاً؛ فثمة فصيل يناصر «25 يناير»، ويعتقد أنها «ثورة» كاملة الاعتبار، أدت إلى إزاحة حكم استبدادى فاسد، وفتحت المجال العام أمام تنافس سياسى، أوصل «الإخوان» إلى السلطة بانتخابات «ديمقراطية»، قبل أن تتم إطاحتهم، لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.

لكن هؤلاء الذين يؤيدون «يناير»، ويناصبون «يونيو» العداء، يقابلهم فصيل أوسع وأكثر تنوعاً يعتقد أن الأولى لم تكن سوى «مؤامرة تخريبية»، دبرها تحالف شرير ضم دولاً خارج الإقليم وداخله، وتنظيم «الإخوان»، وقوى إرهابية أخرى، بهدف تدمير البلاد، وسرقة هويتها، وانضوائها تحت سلطة خارجية، تريد تفتيتها وإذلالها.

وضمن هذا الانقسام تقف السلطة على الحياد نظرياً، وتتحدث عن الانتفاضتين بوصفهما «ثورتين» علنياً، وتنحاز إلى «30 يونيو» عملياً، فى اتساق مع غالبية الجمهور.

يصعب التنصل من استحقاقات «يناير»، بداعى نفاذ إرادة «يونيو»؛ لأن الثانية لم تكن لتوجد من دون الأولى، ورغم أننا نعرف أن تنظيم «الإخوان» استطاع خطف تلك الأولى وحرف اتجاهها، فإن هذا التنصل يحول «يونيو» إلى مشروع «تحرير» وليس مشروع «بناء وتغيير».

لكن ما الذى تعنيه «يناير» لـ «يونيو»؟

فى التحليل الأخير، وبعد استبعاد العامل «الأصولى» والأغراض الخارجية المشبوهة، التى اعتلت مسار «يناير»، وحرفتها عن مقصدها، سيبقى منها التوجيه الاستراتيجى العمومى، الذى لخصته الجماهير فى هتاف مبدع: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية».

لقد ثارت الجماهير، ونزل عشرات الملايين إلى الشوارع فى «يونيو».. وهى حقيقة لا تقبل التشكيك، مطالبين بإزاحة حكم «الإخوان» الذى نقض الركائز الوطنية، وعبث بهوية الدولة، وكاد يأخذها إلى منحدر خطير، لا خلاص منه.

وبين هذه الجماهير، كان مناصرو «يناير» فى القلب؛ وكانت الإرادة متفقة آنذاك على استرداد الدولة، والبناء على «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية»، إضافة إلى استعادة الأمن، والاستقرار، ومحاربة الفساد، وتثبيت المؤسسات، والمضى قدماً فى برنامج وطنى يهدف إلى تحقيق متطلبات «يناير»، فى ظل دولة مواطنة، تحظى بالتماسك الاجتماعى، والوحدة الوطنية، والفخر بالهوية.

أنجزت «يونيو» الكثير، وهى قادرة على تفعيل مهمة «يناير»، عبر وضع مطالبها فى لائحة الأفعال المطلوب إنجازها، وهو أمر سيستلزم عملاً شاقاً.

تنجز الدولة عبر «مسار يونيو» إنجازات مشهودة، لكن التكاليف مرهقة، ولذلك، سيتوجب على الجمهور أن يمنح دولته المزيد من الصبر، وقدراً أكبر من تحمل المكاره، ومعظمها يقع فى الجانب الاقتصادى.

وحين تقرر الدولة الوفاء باستحقاقات «يناير» المتوافق عليها، عبر مسار «يونيو»، ستنحو إلى فتح المجال العام أمام التنافس وتلاقح الأفكار، وضمان التنوع والتعدد، وستعزز الحريات، وستؤكد الرأفة والعناية بالطبقات الأقل دخلاً، وستنعش المجال السياسى الذى من خلاله نكتسب الحيوية والمناعة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية