x

زيارة مرسي للسعودية.. شراكة استراتيجية وملفات أمن قومي شائكة

الأربعاء 11-07-2012 20:53 | كتب: إبراهيم الغيطاني, غادة غالب |
تصوير : اخبار

«إن مشت مصر نحو مكة شبراً، مشت مكة إلى مصر ميلاً»، هكذا وُصفت العلاقات المصرية - السعودية بلغة الأدب والشعر، لكن بلغة السياسة ومنطق الاستراتيجية، فإن «مصر» و«السعودية» هما جناحا الأمة العربية فى الفترة الحالية، لا سيما فى ظل ما آل إليه حال «العراق» ما بعد الاحتلال الأمريكى، وما آل إليه حال «سوريا» بعد التحالف الاستراتيجى مع «إيران»، ومن ثم خروجهما عن السياق العام للنظام الإقليمى العربى منذ مطلع الألفية الجديدة.

وكشفت لنا حقائق التاريخ العربى المعاصر أن توافق الدولتين فيما يتعلق بحركة التفاعلات الدولية والإقليمية يزيد من فاعلية النظام الإقليمى العربى، فى حين أن أى تباعد أو شقاق بين الدولتين يلقى بظلاله السلبية على مجمل القضايا العربية ككل، لذلك فلا غرو أن تكون السعودية محلاً ومنزلاً لأول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس محمد مرسى، أول رئيس منتخب فى مصر بعد ثورة 25 يناير.

تأتى هذه الزيارة عقب تحولات عميقة تحيط بالمشهدين العربى والإقليمى، لعل فى مقدمتها حالة الزخم الثورى التى أطاحت بأقدم الديكتاتوريات العربية، متمثلة فى نظم حكم «بن على» و«مبارك» و«القذافى» و«صالح»، ودخول الأزمة السورية مرحلة التدويل واحتمالات التدخل العسكرى تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تشديد الخناق على إيران عبر حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية والتجارية، على خلفية ملفها النووى المثير للجدل، وتهديد إيران مجدداً بإغلاق مضيق هرمز، واستعراض قوتها العسكرية عبر سلسلة من المناورات الصاروخية.. أخيراً، إعلان إيران اعتزامها بناء أول غواصة تعمل بالوقود النووى فى مياه الخليج العربى.

وتعد الزيارة ختاماً لحالة من الفتور والتوتر فى العلاقات المصرية - السعودية على مدى ثمانية عشر شهراً، منذ الإطاحة بنظام مبارك، واتهامات بعض النخبة الثورية فى مصر للسعودية بدعم نظام مبارك ومحاولة عرقلة وإجهاض مسيرة الثورة المصرية، مروراً بأزمة الناشط أحمد الجيزاوى، المتهم من قبل المملكة بحيازة مواد مخدرة، وسط اتهامات مصرية بتسييس قضية «الجيزاوى» وإخراجها عن سياقها، والنظر إليها فى إطار تصفية حسابات مع «الجيزاوى» لاتهامه بالعيب فى الذات الملكية.

فى هذا السياق الملبد بالغيوم، عربياً وإقليمياً، تأتى زيارة «مرسى» إلى السعودية لتبعث برسالة إلى من يهمه الأمر، مفادها أن مصر ما بعد الثورة ستمضى قدماً فى سياستها الخارجية بما يحقق أمنها القومى ومصالحها الاستراتيجية العليا، بعيداً عن منطق الشخصنة الذى كان سائداً طوال فترة حكم «مبارك»، وبعيداً عن منطق «الأيديولوجيا»، الذى طالما حذرت منه قوى سياسية مصرية عدة، تخوفاً من تغليب النهج «الإخوانى» على سياسة مصر عبر بوابة الرئيس الجديد.

ولعل ما أدلى به قائد شرطة دبى، الفريق ضاحى خلفان، من تصريحات مسيئة لـ«الإخوان»، يعد تعبيراً عن حالة من التوجس والقلق الخليجى إزاء التغيرات الجذرية التى تمر بها الدولة المصرية، الحاصلة والمتوقعة، لا سيما مع تولى رئيس إخوانى سدة الحكم فى البلاد، وهو الأمر الذى ربما أدركته القيادة المصرية الجديدة، فجاء اختيار السعودية - مركز الثقل الاستراتيجى فى النظام الإقليمى الخليجى - لتكون بداية الجولات الخارجية، تطميناً للمخاوف الخليجية، من جهة، وتأكيداً على المصالح المصرية العميقة فى الدائرة الخليجية، من جهة أخرى.

وإذا كانت مصر الجديدة ترغب فى استعادة مكانتها الحيوية فى محيطها الإقليمى، وعلى رأسه الدائرة الخليجية، فلا شك أن الوضع الأمثل بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية هو أن تلعب دوراً قيادياً فى محيطها العربى، ضماناً لسير التفاعلات الحاصلة فيه مع ما يتسق والمصالح الاستراتيجية المصرية العليا، ومن ثم فإن تهيئة المناخ أمام إعادة الاعتبار للدور المصرى يستوجب تنسيقاً مع السعودية بشكل خاص، ودول الخليج بشكل عام، للتأكيد على أن الإطار الحاكم لذلك الدور سيكون فى إطار التعاون لا الهيمنة، والمصالح المشتركة لا المصالح أحادية الجانب.

لعل المدخل الأنسب لتدشين أسس جديدة للعلاقات المصرية - الخليجية فى المرحلة الراهنة هو إقناع القيادة السعودية بأهمية دور مصر الجديدة فى المحيط الخليجى، كمعادل أو موازن إقليمى للقوة الإيرانية المتنامية فى المنطقة، وهو ما يعنى تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، بما يحقق للمصالح المصرية انسياباً ناعماً فى الدائرة الخليجية، فى الوقت الذى يحقق فيه معادلة الموازن المنشود خليجياً إزاء طموحات الدولة الإيرانية.

وإذا كانت السياسات الدولية حالياً تجنح نحو إقامة التحالفات والشراكات الاستراتيجية، اتساقاً مع ما يعيشه الاقتصاد العالمى من سيادة نمط التكتلات والكيانات الكبيرة، فإنه ليس ثمة دولة عربية، مهما كان حجمها سواء كانت مصر أو السعودية، يمكنها أن تعيش مكتفية بنفسها أو أن تجابه القضايا العربية الكبرى، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، أو المشروعات الإقليمية المحيطة والمتربصة، وفى مقدمتها المشروع الإيرانى، بشكل منفرد أو أحادى، ومن هنا فإن خيار الشراكة الاستراتيجية والتحالف وتعميق قنوات التنسيق والاتصال بين مصر والسعودية لا مناص منه، إذا ما أرادت كلتا الدولتين تطوير عوامل الاستقرار داخلياً وإقليمياً، وبناء توازن إقليمى فاعل يمكن من خلاله التعامل مع الاستراتيجيات الإقليمية والدولية المناوئة بدرجة من الندية والفاعلية.

وتعد الملفات الاقتصادية أبرز أبعاد العلاقات المصرية - السعودية، حيث تشهد العلاقات التجارية بين البلدين تطوراً مستمراً وحراكاً منتظماً تدور عجلته بغض النظر عما قد يشوب العلاقات من توترات أو اختلافات فى وجهات النظر والمواقف على أصعدة سياسية واستراتيجية عدة.

بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين عام 2011، نحو 4.425 مليار دولار، فى حين أنه سجل ما يزيد على نحو 1.367 مليار دولار عام 2005، كما تأتى الاستثمارات السعودية فى مصر فى المرتبة الأولى عربياً، بصافى تدفقات بلغت نحو 206.3 مليون دولار خلال السنة المالية 2010/2011، ووفقاً لتقديرات «مجلس الأعمال المصرى - السعودى»، فإن حجم الاستثمارات السعودية فى مصر بلغ 27 مليار دولار خلال عام 2012.

وعلى صعيد الشراكة الاقتصادية، ترتبط مصر مع السعودية بعدد من الاتفاقات تغطى مجالات التعاون الاقتصادى والتجارى والاستثمارى والتقنى بين البلدين، وهناك أيضاً العديد من المشاريع المشتركة، لاتزال قيد التنفيذ، كمشروع الربط الكهربائى بين البلدين، ومشروع الجسر البرى، الذى تمت إعادة إحيائه مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير.

وفى هذا الإطار يمكن رسم خريطة للعلاقات الاقتصادية المصرية - السعودية من خلال أربعة محاور رئيسة تتعلق بملفات التبادل التجارى، والاستثمارات المتبادلة، والاتفاقيات المشتركة، إلى جانب ملف المعونات والمنح والقروض.

أما مشروع الربط الكهربائى، فهو مشروع تنموى واعد، من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ عقب تشكيل الحكومة المصرية الجديدة، تقوم فكرته على تبادل القدرات الكهربائية بين البلدين بما يصل إلى 3000 ميجاوات، أثناء فترات الذروة فى الأحمال، والتى تكون فى السعودية بين الساعة الثانية عشرة والرابعة ظهراً، بينما تكون فى مصر بعد السابعة مساء، ووفقاً للمشروع سيتم تبادل فائض القدرة المتاحة بين البلدين على أسس تجارية بما يفيد كلا الجانبين.

ويأتى مشروع الجسر البرى بهدف ربط الدولتين من منطقة منتجع شرم الشيخ مع رأس حميد فى منطقة تبوك شمال المملكة عبر جزيرة تيران، بطول 50 كيلومتراً، من خلال جسر برى على خليج العقبة، يختصر الوقت والمسافة لتصبح 20 دقيقة فقط، ومن المخطط أن يستغرق إنشاء الجسر نحو 3 سنوات، وكانت الدراسات المبدئية للمشروع قد تم الإعلان عنها عام 1988، إلا أنه لم يتم الشروع فيه.

ويعتبر ملف العمالة المصرية فى السعودية أحد أبرز الملفات المهمة على صعيد العلاقات بين الدولتين، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن أعداد المصريين العاملين بالمملكة العربية السعودية تُقدر بحوالى 1.8 مليون مصرى، فى حين تشير تقديرات أخرى غير رسمية إلى أن هذا العدد يزيد على ثلاثة ملايين مصرى، وبشكل عام، تمثل العمالة المصرية رقماً مهماً على قائمة الأجانب العاملين فى السعودية، وينتشر المصريون فى جميع مناطق وأرجاء المملكة، كما يشغل العاملون المصريون قطاعات حيوية مهمة، منها على سبيل المثال: الصيدلة والطب والمحاسبة والتعليم والإنشاءات والمقاولات.

وتبلغ أعداد العمالة المصرية فى الخارج وفقاً لتقديرات البنك الدولى عام 2011 نحو 3.739.1 مليون نسمة، معظمهم من العمالة العادية التى لا تحمل مؤهلات أو تحمل مؤهلات متوسطة، والأقلية من الأطباء والمهندسين والمحاسبين والإعلاميين والمحامين، وتبلغ نسبة المصريين فى الخارج نحو 4.4% من إجمالى عدد السكان البالغ نحو 83 مليون نسمة.

ويمكن القول إن نحو 10% من حجم القوى العاملة فى مصر تعمل فى الخارج، 70% منهم يعملون فى الدول العربية، على رأسها دول مجلس التعاون الخليجى، وفى القلب منها المملكة العربية السعودية.

وتأتى السعودية على قائمة أكبر البلدان التى تضم عمالة مصرية، تليها على الترتيب الأردن، وليبيا، والكويت، والإمارات، والولايات المتحدة، وإيطاليا، وقطر، واليمن.

وتمثل تحويلات العاملين المصريين بالمملكة العربية السعودية رقماً مهماً فى هيكل النقد الأجنبى الذى يدخل خزانة الدولة المصرية، وقد بلغ إجمالى تلك التحويلات خلال عام 2011 نحو 600 مليون دولار أمريكى، أى ما يعادل 3.54 مليار جنيه مصرى - وفقاً لتقديرات البنك المركزى المصرى - وعلى الرغم من التراجع النسبى فى حجم تحويلات المصريين فى السعودية عما كان عليه عام 2010، فإن السعودية مازالت تحتل المرتبة الأولى عربياً فى استقطاب العمالة المصرية فى الخارج، فيما تأتى ثانى أهم مصدر عربى لتحويلات المصريين المالية من دول الخليج بعد دولة الكويت.

ثمة تغييرات لافتة شهدها هيكل العمالة المصرية فى السعودية على مدى العقود الماضية، حيث كان أغلب التحركات الجماعية للعمالة المصرية - السعودية فى منتصف السبعينيات يتركز فى مجال البناء، فى حين تغير خلال التسعينيات والألفية الجديدة، إذ ارتفعت نسبة العلماء والفنيين، وتراجعت حصة عمال الإنتاج فى السعودية، على الرغم من أن نسبتهم ظلت مرتفعة لتمثل نحو ثلث إجمالى المهاجرين المصريين فى كل دول العالم عام 2002.

وإذا ما تتبعنا توزيع المهاجرين حسب المهنة والدولة، سنجد أن السعودية تعد من الدول التى تستوعب العمالة المصرية ذات المهارات العالية، حيث تصل نسبة الفنيين والعلماء المصريين العاملين فى السعودية إلى نحو 40.5% فى السعودية، مقابل 31.1% من العاملين فى مجال الإنتاج.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية