عمارات تم ترميمها بطبقة أسمنتية غلبت على لون أعمدتها الخرسانية التى بدت شاذة عن لون جدرانها، وشروخ وتصدعات واضحة يراها المارة بالمجاورات 7 و8 و11 بمدينة 15 مايو بمحافظة حلوان، وحفر عمقها أمتار بسيطة لم يجف بها الأسمنت بعد.
حاولت السيدة عفاف السيد أن تعالج منزلها بالطابق الأرضى بالمجاورة 8 عن طريق إخفاء الشروخ باستخدام معجون جيرى على مدى عامين، إلى أن استيقظت يوماً على صوت انفجار مدو - على حد وصفها - اعتقدت فى بداية الأمر أنه أشبه بزلزال 1992، فهرولت على الفور للخروج من المنزل، فإذا بها تجد العمود الخرسانى لمنزلها تحول إلى فتات ملأ مدخل المنزل والسلم، فخرجت وجميع السكان على الفور إلى الشارع، خوفاً من سقوط المنزل، إلى أن جاء مسؤولو جهاز مدينة 15 مايو ليخبروها بضرورة جمع أغراضها استعداداً لنقلها إلى المجاورة 20 لأن المنزل أصبح آيلاً للسقوط ولابد من إعادة ترميمه إذا أمكن.
الحال الذى وصل إليه منزل عفاف قد لا يختلف كثيراً عن بعض منازل المجاورات الأخرى، فمدينة مايو التى لم يتجاوز عمرها 30 سنة مازال يعرفها البعض بالمدينة الجديدة، ورغم حداثتها فإنها باتت مهددة بالانهيار بعد تكرار حوادث تآكل الأعمدة الخرسانية للمنازل التى أصاب جدرانها الشروخ من كل جانب، فلا تجد شارعاً يخلو من منازل أعيد ترميمها أو تنتظر دورها فى الترميم، وأخرى يتم إخلاؤها من السكان لوصول الشروخ إلى حد الخطر، الأمر الذى وصفه الخبراء ببداية كارثة لم يلتفت إليها المسؤولون فى بداية بناء المدينة، وهى أن طبيعة الأرض بـ«15 مايو» طفلية جيرية تغطى كهوفاً جبلية تتغير طبيعتها بالعوامل الخارجية.
فى المجاورة 11 وقف صلاح أبوسامى فى محله أسفل منزل فقد شكله الجمالى بعد ترميمه ببعض الأجزاء الخرسانية والحديدية فى كل جوانبه، وقبل أن يتحدث عما حدث للمنزل تذكر أول حادث عندما سقطت إحدى سيارات التاكسى أسفل سطح الأرض بعد حدوث هبوط أرضى عمقه 5 أمتار وطوله ما يقرب من 14 متراً، مؤكداً أنه منذ ذلك الوقت التفت السكان إلى طبيعة منازلهم التى بنى عدد كبير منها على أرض طفلية أدت فى الوقت الحالى إلى انهيار أجزاء من الأساسات الخرسانية بأعمدتها، وحدوث شروخ فى عدة منازل بعضها أخلى بالفعل لحين إجراء ترميمات، وبعضها رمم بالفعل مثل ما حدث فى محله.
وبسؤال المارة فى الشوارع الرئيسية عن أكثر الأماكن التى مازالت بحاجة إلى ترميم، أشار الجميع إلى المجاورة 7 التى أصبحت أشبه بالمجاورة 8 من حيث تكرار الشروخ وسقوط الأعمدة الخرسانية، وشكا محمد عبدالرحمن، أحد سكان المجاورة 7، من تأخر إتمام ترميم منزله الذى تآكلت جدرانه بشكل ملحوظ وقال «يدخل إلينا ضوء الشمس يومياً من شروخ المنزل، ومع ذلك فإن ما نعانيه هو أقل بكثير مما تعرض له جارنا فى الطابق الأرضى، الذى غادر المنزل منذ أيام بعد تآكل منزله تماماً وبشكل ملحوظ، ومازلنا ننتظر دورنا فى الترميم الذى أخبرنا الجهاز بأنه لم يأت بعد بالإضافة إلى عدم وجود ميزانية كافية فى الوقت الحالى».
لم يكتف سكان مايو بالشكوى مما وصلت إليه منازلهم فحسب، بل بدأوا يرصدون الأسباب التى قد تكون سبباً فى تلك الكارثة، فيقول المهندس ناجى أحمد، أحد السكان، إن المساحات الخضراء المحيطة بكل منزل التى يتم ريها يومياً بكميات كبيرة من المياه تتشربها الأرض الرملية بسهولة قد تكون من مسببات تآكل المنازل، وهو ما جعله يبادر مع سكان منزله بردم الحديقة المجاورة بالرمال حتى لا تحتاج إلى مياه مرة أخرى، وقال «ما فائدة وجود منظر جمالى فى منزل قد يسقط على رؤوس سكانه، نحن لسنا بحاجة للمساحات الخضراء الشاسعة التى تملأ المدينة».
الأمر نفسه رصده الخبراء إذ أكد الدكتور محمد مجدى حامد، أستاذ ميكانيكا التربة بمركز ضمان الجودة، أن تسرب المياه خصوصاً مع وجود حدائق مجاورة وشبكات مياه وصرف صحى، ثلاثة عوامل كافية لتعرض المنازل للانهيار، مشيراً إلى أن 15 مايو من المدن الأم التى بنيت فى السبعينيات، دون الدراسات الجيولوجية الكافية لتربتها، حيث توجد طبقات من الصخر مختلطة بطبقات الطفلة والتربة «الانتفاشية» التى تتحمل الخرسانات الثقيلة فقط فى حالتها الجافة، وعندما تتخللها المياه «تنتفش» ويزداد حجمها، وتتعرض الأساسات والمبانى فوقها لخطر الانهيار لعدم انتظامها فتؤدى إلى حدوث شروخ فى المبانى.
وعن قدرة الترميمات على علاج تلك المشكلة قال حامد «نُفذ الترميم من قبل على عدد بسيط من منازل المجاورة 8، ولكنها بكل أسف لم تفد فى علاج الشروخ، وبالتالى فإن تكرار الحادثة فى الفترة الأخيرة مع عدم وجود شبكة صرف صحى سليمة جعل الأمر لا يقتصر على منزل أو اثنين فحسب بل مدينة بأكملها ولن يكون الترميم مجدياً، فقط سيكلف الدولة مبالغ باهظة دون فائدة».
الأمر نفسه أكده الدكتور على شرارة، مدير معهد بحوث الخامات وأستاذ مواد البناء، الذى قال «تلك المشكلة واجهناها بعد بناء جزء كبير من المدينة، عندما تعرضت لتصدعين كبيرين ابتلعا الأراضى المرصوفة، وقتها فقط لجأ إلينا المسؤولون واستنجدوا بنا لإجراء أبحاث عن طبيعة التربة، التى كشفت عن كارثة أخرى وهى أن طبيعة الصخور بتلك المنطقة تغطيها طبقة جيرية متكهفة، وهى أشبه بالفراغات أسفل سطح الأرضى، عندما تصل إليها مياه الصرف الصحى أو أى تسرب مائى تحدث عيوباً فى الأساسات بشكل مباشر، وهذا العيب تم تلافيه فى العقد الأخير بعد إجراء تلك الدراسات فبدأوا فى عمل طبقات خرسانية كبيرة بالإضافة إلى سد بعض الكهوف بالأسمنت، ولا أحد ينكر أن المراحل الأولى للمدينة بنيت دون دراسات مسبقة فوصلت بنا إلى الخطر الآن».
من جانبها، أكدت المهندسة رينيه حليم، مدير عام الترميمات بجهاز مدينة 15 مايو، أن العمل يسير على قدم وسائق منذ بداية ظهور الشروخ والتآكل، خاصة أن معظمها فى منازل المرحلة الأولى للمدينة، التى بنيت على أساس الطبيعة الجبلية للأرض قبل إجراء دراسات على التربة الطفلية التى تتشرب المياه بشكل واضح، وأضافت «اكتشفنا فيما بعد طبيعة الجبل الكهفية التى سرعان ما تتشبع بالمياه وتتغير حالتها، لذا تفادينا تلك العيوب فى المرحلتين الثانية والثالثة بوضع أساسات خرسانية قوية، ولكن ما يحدث من شروخ وتصدعات ناتجة فى الأساس عن إهمال السكان الذين تركوا مياه الصرف الصحى تتسرب أسفل العمارات، لذا نقوم الآن بدراسة لترميم المرحلة الأولى بأكملها حتى إن كانت سليمة، لنتفادى حدوث أى كارثة نتيجة تسرب المياه إلى الأساسات وتشربها».