أعود مجدداً إلى مقتطفات من مقالات. قرأت بعضها على مدى الأيام الثلاثة الماضية. وجدت فى بعضها معانى. وجدت فى بعضها تفكيراً. وجدت فى بعضها حيرة. وجدت فى بعضها تبريراً. المقالات كلها من صفحة الرأى فى «المصرى اليوم». اتجاهات مختلفة. تؤكد: العقل المصرى يفكر. العقل المصرى مرتبك.
«لماذا أكتب؟». تساءلت د. منار الشوربجى. سؤال الحيرة. مضمون الارتباك. قالت: «ليس عندى ما أقوله، فالذى يحدث فى وطنى ينعقد معه لسانى، ولا يريد عقلى أن يصدقه، وهو أكبر بكثير من أن تصفه الكلمات، وتأثيراته الخطيرة على مستقبل بلادى لا يعلمها إلا الله. حين حل موعد تسليم مقالى هذا، كنت ممزقة بين أمرين، فمن ناحية، شعرت بأن ما يحدث حولى معناه أن أوان الكلام قد فات، وربما لا فائدة من الكتابة أصلا، خصوصا أن الصمت أحد أشكال الاحتجاج، لكننى من ناحية أخرى، شعرت بأنه من المهم فى مثل هذه اللحظات أن يعلن صاحب الرأى عن رأيه. أشعر بغربة فى وطنى». إذا كان المثقف مرتبكا.. ماذا يفعل المواطن؟!
أقدر قيمة الدكتور فاروق الباز. مطولته فى عدد يوم الجمعة مرتبكة بدورها. رفع شعاراً عاطفياً: «هنأَكّل نفسنا». حلم يدرك أنه غير ممكن. لا يوجد بلد يستغنى كاملاً عن الآخرين. فكرة الاقتصاد هى التبادل. المهم ما وضعك وأنت تتبادل؟. تتبع. ترضخ. تتفاوض. معك ورقة تبادلية. قال الدكتور فاروق: «هنأَكّل نفسنا شعار موحد له وقع عميق على نفس الناس جميعاً، إنه شعار سهل الفهم، محدود الغرض، طيب السمعة، قابل للنجاح، يحتوى مغزى الشعار على احترام الذات والقدرة الشخصية والهمة الجماعية، كذلك يؤهل الشعار التنافس المجدى، خاصة بين الشباب، فى إعلاء الوطن، وحل مشاكلهم بقدراتهم الذاتية وعبقريتهم المصرية الفريدة». أقر الدكتور فاروق بأنه شعار!
الدكتور سامى عبدالعزيز ذهب بعيدا. حاول تفسير موقف الولايات المتحدة. قال: «لعل أحد أسباب هذا الموقف الأمريكى من أحداث مصر هو ما حدث للولايات المتحدة فى بنغازى، منذ عدة أشهر، من مقتل للسفير الأمريكى وبعض معاونيه هناك.. ومن يتابع وسائل الإعلام الأمريكية واستطلاعات الرأى العام الأمريكية، منذ سبتمبر الماضى، يجد أن هناك ما يمكن تسميته (عقدة بنغازى)، فقد ألقى هذا (الفشل الأمريكى) بظلاله على المواقف اللاحقة للولايات المتحدة فى تعاملها مع دول المنطقة، بسبب ضغط الرأى العام الأمريكى، وتقييمه السلبى لإدارة أوباما لملف الإسلاميين، وثورات الربيع العربى». كلام صحيح. أحد أسباب الموقف الحالى لإدارة أوباما. هى كذلك تعانى من ارتباك.
بسلاسته المعهودة ناقش د. سعد الدين إبراهيم تطور الجماعة. كانت محظورة. أصبحت مغرورة. الآن مذعورة. قال: «وصدق المُفكر الإسلامى الراحل جمال البنا فى مقولته: (إن الإخوان المسلمين مثل أسرة البوربون الملكية فى فرنسا، لا ينسون شيئاً، ولا يتعلمون شيئاً، فهم يُكررون نفس الأخطاء، ويدفعون نفس الثمن)! وها هم يمرون بما سيسمونه (المحنة الرابعة)، فمحاولة إسقاطهم الدولة المصرية الحديثة ستبوء قطعاً بالفشل، ففضلاً عن أن مؤسسة الدولة هى أقدم كيان فى وادى النيل، منذ وحّد الفرعون نارمر، (مينا)، الوجهين القبلى والبحرى، قبل ستة آلاف سنة، فإن آخر تجلياتها هو الدولة العصرية الحديثة التى أسسها محمد على باشا، (1805)، وساهمت خمسة أجيال مصرية مُتتالية فى تكريسها، وفى بناء مجتمع حديث يتوازى معها ويحميها». بُعد يتجاهله الإخوان. يتجاهله غيرهم.
المستشار محمود الخضيرى كتب مقالاً تبريرياً. لماذا ذهب إلى «رابعة العدوية»؟. بدا معلقاً على خواطر سابقة كتبتها هنا. قال كلاماً غريباً: «لا أستطيع إخفاء إعجابى بالصمود الذى شاهدته فى (رابعة العدوية)، رغم صعوبة الحياة فيها مع الحر والصيام، وهى ظروف أشد بكثير مما كنا نعانيه فى ثورة 25 يناير، حيث كان الجو شتاء، ولم يكن الناس صياماً، وقد قلت ذلك فى خطابى لهم، حيث إن الكل كان يراهن على أنهم سينفضون بعد أول يوم صيام، وهذا شهر رمضان قارب على الانتهاء، ومازال الصبر والعزيمة كما هما، الأمر الذى يجب أن يدفع القائمين على الأمر فى مصر - وهم المجلس العسكرى بالطبع - إلى التفكير فى حلول سلمية لما يحدث، لأن الحلول الأمنية والقضائية لن يكون فيها حل، وإذا حدث فإنه يكون حلاً مؤقتاً تتجدد الأمور بعده من جديد فى صورة أخطر». تمجيد فى اعتصام «رابعة». لا أستطيع أن أستوعب معناه. المستشار «الخضيرى» نفسه انتقد الإخوان فى مقالين. شجع ديمومة الاعتصام.
المصريون يراقبون. القراء يتابعون. المعلقون يرصدون. لو تم تحليل مقالات مصر منذ يوم 30 يونيو ستكون نتائج مدهشة. نخبة مصر لديها مميزات. لديها مشكلات. كل بمفرده. لا يوجد اتجاه يمكن الإمساك به. الأفراد اتجاهات. هذا خطر. لا بلورة. المصريون يعانون من تشرذم ناتج عن هذا. بعض الكُتّاب منقسمون على أنفسهم. لو قرأت أربعة مقالات له فى شهر ستجد أربعة مواقف. بعضهم ليس كذلك. قليلون فى هذا النوع الأخير!!