ما حدث فى 30 يونيو 2013، وخروج الملايين من الشعب المصرى أضعاف من خرجوا فى ثورة 25 يناير 2011، وقد وصل عددهم نحو «50» مليون مواطن فى أنحاء مصر كلها، هو ثورة حقيقية قامت لإسقاط نظام مرسى وجماعته «الإخوان» وكل المتأسلمين الذين اتخذوا من الدين ستاراً لتحقيق مآربهم السياسية بآليات الغش والتدليس والمراوغة والكذب والنفاق. ومن ثم فهى امتداد لثورة 25 يناير التى تفجرت لإسقاط نظام «مبارك» وتصحيح لمسارها ممن اختطفوها وسرقوها فى صفقة حقيرة بين الإخوان والأمريكان، ودعم جزء من المجلس العسكرى المباركى، ومقاومة جزء آخر. وإذا استقر بنا المقام على هذا الاعتراف بثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، فإن الأمر يستلزم إقرار أن الثورة مصطلح ينصرف إلى عنصرين هما: التحرك الشعبى الواسع والتغيير الجذرى،
وبالتالى فإن خيار الإصلاح الشكلى الذى يتمثل فى «الترقيعات فى ثوب بالٍ» يصر الشعب على استبداله، هو خيار لا يتسق مع أهداف الثورة عموماً، لذلك فإنها عادة ما تفشل مع هذه الخيارات السيئة التى تستهدف أساساً إجهاضها، وقد سبق أن قلنا فى أحاديث ومقالات عديدة بعد إسقاط «مبارك» فى 11 فبراير 2011، إن ما يتم من إجراءات بدأت بلجنة تعديل دستور 1971 المشبوهة،
يستهدف إجهاض الثورة وهو ما تم فعلاً وأضاع على الشعب المصرى عامين ونصف العام فى «العك السياسى»، والخراب الاقتصادى، وانهيار دولة القانون وأحكام القضاء، وتسيب غير مسبوق، وانهيار اجتماعى ونفسى... إلخ.
حتى اضطر الشعب المصرى إلى أن يقوم بالإعداد لثورة ثانية وخرج خروجاً كبيراً غير مسبوق فى تاريخ مصر والعالم لإسقاط نظام حاكم «الرئيس وجماعته غير الشرعية»، لذلك فإن التعامل السليم مع هذه الثورة هو بإسقاط كامل لما تم من «عك دستورى» صنعته جماعة طارق البشرى وأصحابه من الإخوان والمتأخونين، ومن بعده حسام الغريانى وجماعته أيضاً.
ولا يجوز بأى حال أخلاقياً وسياسياً وثورياً أن نكرر نفس مأساة وسيناريو إجهاض الثورة الأولى، بعد الثورة الثانية، بالبدء فى إجراء تعديلات على دستور إخوانى مشبوه، وإلا سنحصد نفس نتائج السيناريو الأول، وهى واضحة للعيان لا تحتاج إلى شرح، ونؤكد أن دستور الإخوان، وبالدقة، الوثيقة الدستورية الإخوانية الصادرة فى ديسمبر 2012، مرفوض لعدة أسباب هى:
1- أن هذه الوثيقة جزء من مكونات نظام سياسى ثار الشعب لإسقاطه كاملاً.
2- أنها وثيقة إخوانية بالدرجة الأولى توافق عليها المتأسلمون دون بقية المجتمع كله.
3- أنه تم سلقها وإخراجها بليل لخلق أمر واقع رغم إرادة المجتمع الرافضة لذلك، وبالتالى فإنها وثيقة المؤامرة على الشعب المصرى.
4- أنها غير شرعية، أى لم تحظ بالقبول الشعبى الواسع، فقد وافق عليها 20٪ فقط من عدد الناخبين، بالمخالفة لنص المادة «60» من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 التى تنص على أن إقرار الدستور يتم بموافقة أغلبية الشعب عليه، وقد فسرناه، وأيدنا فى ذلك د. صلاح فوزى «أحد أعضاء لجنة التعديل الجديدة الآن»، بأن الأغلبية تعنى أكثر من 50٪ من عدد الناخبين، أى ما يعادل ضرورة موافقة أكثر من 26 مليون ناخب، وهو ما لم يتحقق، بل لم يتجاوز العدد «10» ملايين فقط الذين وافقوا!
5- التعديل على وثيقة غير شرعية، يضفى عليها شرعية لا تستحقها ويبرر لعودتها مرة أخرى فى أى لحظة تاريخية، لذلك فالمبدأ السليم هو: الشىء عديم الشرعية لا يستحق التعامل معه أساساً، تفادياً لإضفاء شرعية عليه غير واجبة.
- السؤال كيف الحال حين نبنى المجتمع الجديد على أساس غير سليم؟ والإجابة الواضحة هى الانهيار المؤكد. وباستعراض مواقف القوى الثورية الحقيقية وفى المقدمة «تمرد» وجميع التكتلات الشبابية، فإن جميعها يؤكد على إسقاط دستور الإخوان وإعداد دستور جديد، ويتبنون حملة أدعمها معهم وهى «أكتب دستور بلدك»، تأكيداً على عدم الاعتراف بالتعديلات المرتقبة. كما أن الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الزميل م. أحمد شعبان، قد أصدرت بياناً برفض دستور الإخوان والتعديل عليه، وطالبت بلجنة تأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد يليق بالثورة.
أما الذين يشايعون التعديلات من أعضاء فى جبهة الإنقاذ الرمادية، فهم المستعجلون على الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ويبدو انعدام صلتهم بالثورة أصلاً ولا يفكرون إلا فى مصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن والثورة، وهؤلاء وغيرهم مواقفهم غير ثورية وتتسق دعواتهم مع التصالح الشكلى تحقيقاً لمآرب أخرى تسقط أوراقها يوماً بعد آخر. دعونا نفكر فى حاضر سليم ومستقبل مضمون، وإلا فإن الثورة الثالثة ستكون هى الحل، وتجنباً لذلك فإن إسقاط دستور الإخوان وإعداد دستور جديد هو البداية الصحيحة لثورة 30 يونيو.. ولايزال الحوار متصلاً.