(أحنُّ إلى خبز أمى
وقهوة أُمى
ولمسة أُمى..
وتكبر فىّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
وأعشَقُ عمرِى لأنى
إذا مُتُّ،
أخجل من دمع أُمى!
خذينى، إذا عدتُ يوماً
وشاحاً لهُدْبِكْ
وغطّى عظامى بعشب
تعمَّد من طهر كعبك
وشُدّى وثاقى..
بخصلة شعر..
بخيطٍ يلوَّح فى ذيل ثوبك..
عسانى أصيرُ إلهاً
إلهاً أصيرْ.
إذا ما لمستُ قرارة قلبك!
ضعينى، إذا ما رجعتُ
وقوداً بتنور ناركْ..
وحبل غسيل على سطح دارك
لأنى فقدتُ الوقوف
بدون صلاة نهارك
هَرِمْتُ، فردّى نجوم الطفولة
حتى أُشارك
صغار العصافير
درب الرجوع
لعُشِّ انتظارِك!).
من منا لا يحب هذه القصيدة، ولم تلامس شغاف قلبه؟! تلك القصيدة للشاعر الفلسطينى الكبير «محمود درويش»، والتى أصبحت رمزا مقدسا لحب الأم فى تاريخ الشعر العربى المعاصر. وتعدُ هذه القصيدة من أجمل ما قيلَ فى الأم، (فلكلمات القصيدة قدسيةٌ كبيرة، تشبهُ قدسية الأم ذاتها، وتعدُ نشيدَ حب وحنانٍ يردده كل مشتاقٍ لأمه)، فقد كتبها الشاعر وهو فى السجن، حين كان يسكنهُ الحنين إلى أمه، بل حتى وفاته، رحمهما الله. فى داخل كل منا بقعة ضوء، يقبع فيها أحب الناس إلينا وأجملهم وأقربهم، وليس هناك من هى أجمل ولا أقرب من الأم الحبيبة.. يقول الأديب الرائع «جبران خليل جبران»: (الأم هى كل شىء فى هذه الحياة، هى التعزية فى الحزن، والرجاء فى اليأس، والقوة فى الضعف، هى ينبوع الحنان والرأفة والشفقة والغفران، فالذى يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه، ويداً تباركه، وعيناً تحرسه). فى العيد، أتذكر أمى، أحن إلى كل طقوسها معى، من تزيين اليدين بالحناء، «الحنة»، كما تنطقها، ليلة استقبال العيد، وهى تقليد، ورثته أمى، عن عادات جدتى، إلى كل الذكريات الجميلة فى بيتنا الكبير العتيق، هناك فى منازل الروح، بمسقط الرأس والقلب معا.. وربما تجدنى أضيف إلى قصيدة «درويش» الأيقونة، فضلا عن كل ما قاله، أضيف: «وأحن إلى حناء أُمى». فى هذا العيد، وكل عيد، أتذكر أمى، التى لم أنسها يوما، والتى أفتقدها بشدة، سيدة الجنة بإذن الله، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته. ورحم الله كل الأمهات الراحلات، واللهم احفظ أمهاتكم جميعا، أصدقائى فى كل مكان فى الدنيا.
كل عام وأنتم ومن تحبون بخير.