غاب عن الدنيا صلاح السقا مخرج مسرحية العرائس الموسيقية «الليلة الكبيرة» التى كتبها صلاح جاهين ولحنها سيد مكاوى، وصمم عرائسها الفنان الكبير ناجى شاكر أطال الله عمره ومتعه بالعافية بعد أن رحل المبدعون الثلاثة الذين اشتركوا معه فى هذا العمل الفنى الفذ.
العام المقبل 2011 اليوبيل الذهبى للعرض الأول لهذه المسرحية التى تعتبر نموذجاً من النماذج العالمية للعمل الفنى الذى يكفى للخلود. فقد أصبحت جزءاً من التراث الثقافى للشعب المصرى بحب كل المصريين لها، واستعدادهم لمشاهدتها مراراً وتكراراً دون ملل، واستخدامهم بعض عباراتها فى حياتهم اليومية العادية.
وكان ذلك، لأن الفنانين الأربعة الذين أبدعوا «الليلة الكبيرة»، كل منهم على حدة، نموذج للمصريين حتى النخاع، فهم لم يرتبطوا بجذورهم العميقة فحسب، وإنما أصبحوا تلك الجذور ذاتها وقد خرجت من الأرض.
الشاعر صلاح جاهين الذى ابتكر لغة لا تسمى إلا بلغة صلاح جاهين، فلا هى عامية ولا عربية، وإنما فصحى جاهينية، والموسيقى سيد مكاوى الذى خرج من سيد درويش صانع الموسيقى المصرية، والفنان التشكيلى ناجى شاكر الذى يبدو وكأنه جاء لتوه من وجوه الفيوم وأيقوناتها.
أما فنان مسرح العرائس صلاح السقا فهو الفلاح الذى جعل من خيال الظل والأراجوز فى القرى فناً جديداً من فنون المدن يربط بينها وبين القرى، وكان رائداً لهذا الفن الذى عرف فى مصر باسم مسرح العرائس، والأصل أنه مسرح الدمى.
وكان صلاح السقا يذكرنى دائماً بشخصية أبوسويلم فى رواية عبدالرحمن الشرقاوى «الأرض» وفيلم يوسف شاهين عنها، فى طيبته وصلابته، وبساطته وعمقه، وعشقه للوطن متمثلاً فى تمسكه بالأرض، ليس تمسكاً بمساحة يزرعها ويقيم عليها، وإنما تعبيراً عن التمسك بالقيم الأخلاقية الأصيلة التى فطر عليها البشر.
وفى «الليلة الكبيرة» توحد الشاعر مع الموسيقى، والمسرحى مع التشكيلى وابن القرية مع ابن المدينة، والمسلم مع القبطى، وكان المايسترو صلاح السقا الذى امتدت جينات إبداعه فى ابنه أحمد السقا الممثل نجم عصره فى السينما الذى لا تراه فى المسلسلات ولا الإعلانات ولا البرامج التليفزيونية، وإنما فى الأفلام الكبيرة مثل الفاكهة الطازجة فى موسمها فقط.. قلبى معه والعزاء لمصر كلها فى وفاة الفنان الكبير.