لماذا لا يخاف المصريون من «كورونا»!؟، هل لأن كل فرد منا يشعر بأنه بعيد عن الخطر بمفرده، وأن الفيروس خارج دائرته ولن يطاله، لا يصدق أن للكارثة يدًا ستقبض عليه في لحظة مباغتة، تصيبه بالاختناق وتعتصر حياته، لذا يتحركون بحرية وكأنه لا توجد مشكلة يمكن أن تطالهم، كأن هناك بالونا كبيرا يحوّط كل شخص، وعلى ضوء فرديته التي يتخيلها تلك يراوده الشعور بابتعاد الخطر عنه. لعقود نشأنا وفى ثقافتنا العميقة يتردد «أنا وبعدى الطوفان»، لا نعرف ثقافة الأثر الجمعى، وأن كل فرد منا معلق بالمنظومة البشرية التي يعيش في دائرتها، فكثيرا ما زرعت القوى الاستعمارية التي توالت على مصر، وكثير من حكامها ثقافة «فرق تسد»، فلقد أعلوا جميعهم الحس الفردى لدى الكثيرين بما يتضمنه من انتهازية، وافتقارٍ للرؤية التي تدرك علاقة الفرد بالجموع وحتميتها، أي علاقة الفرد بخارج محيط ذاته، نحن نفتقر للثقافة التي تشعر كل فرد بمسؤوليته عن المجموع، وأيضا مسؤولية الجموع عن الفرد.
استفحل أيضا مفهوم «الفهلوة والعنترية» في طبيعة الشخصية المصرية لعقود، وهما ما لا يجعلانه يتصور أن هذا الفيروس الضئيل الذي لا يُرى بالعين المجردة يمكن أن يتمكّن منه فيقتله، فهو الذي بإمكانه أن يخدع الجميع، كأن هناك خللا في طريقة التفكير، واللاوعى بالعلاقة بين الأسباب والنتائج، وتفاوت مفاهيم القوة وأنواعها.
هل لا يخاف المصريون من الخطر المحلق فوق رؤوسهم لكثرة ما مر عليهم وتعايشوا من تحولات سياسية لأنظمة حكم مختلفة الأيدلوجيات، دون أن يكون لهم فيها رأى حقيقى، فكل نظام يأتى يُفرض عليهم بتوجهات فوقية، دون مشاركة فعلية في حكم أنفسهم.
لا يخافون لكثرة ما مر عليهم من حروب وثورات، فقدوا فيها الكثير من الأرواح، هل باتوا يؤمنون بأن الأمر دائما خارج أيديهم، عليهم فقط أن ينتظروا البلاء ويرضخوا له. يرددون: «المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، فهم «السائرون نياما» كما سماهم (سعد مكاوى)، يعيشون ويتحركون فقط.
هل لا يخاف المصريون لأنهم صاروا اتكاليين لأقصى الدرجات، استحكمت بذواتهم آثار الخطاب الدينى الذي ردد دائما «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، الخطاب الذي أخرجهم من الفعل، وجعلهم يفكرون دوما أن هناك قوى أخرى ستتكفل بالمصير، وسواء أريد خيرا بهم أو شرا فلأنهم يستحقونه دائما، إن كان شرا فلأنهم أخطأوا، وإن كان خيرا فذات الخطاب يقول إنهم «خير أمه أخرجت للناس». فكيف يزن المصريون هذا الخطاب بعقولهم؟.
هل لا يخافون لأنهم لم يشاهدوا الكورونا تلك رؤيا العين، فهم طيلة التاريخ لا يؤمنون سوى بالمادى المتحقق أمامهم، فحين أدركوا فكرة الإله صنعوا له مباشرة وسائط متعددة ملموسة؛ ليروها بأعينهم، ويتمسحوا فيها ويتبركوا بها، ويوقدوا لها الشموع.
بعد الأنبياء تبركوا بمقامات أهل البيت، وأولياء الله الصالحين؛ ليقوموا بدور الوسطاء، بحثوا عن المادى الذي يمكن أن يلمسوه. انتشرت طرفة على وسائط التواصل في الأيام الأخيرة، تحذر فيها فتاة أمها من الكورونا، وتدعوها للتأكد من نظافة المكان الذي تتواجد به، فتطمئنها الأم بدورها، تقول: «لا تخشى شيئا، أعرفها المستديرة الخضراء التي تخرج منها نتوءات مدببة، لم أرها» كأن الوعى المصرى بحاجة لإعادة الصياغة بمنظومة تعليم تعيد ترتيب الكثير من العشوائيات التي تعشش به.
هل لا يخاف المصريون ــ معظمهم ــ لأنهم واقعون بين طرفى رحى، الموت جوعا واحتياجا، أو الموت مرضا، الاحتياج والجوع قريب وملموس، لكن المرض محتمل الوقوع ويمكن الشفاء منه، أو لن يقع. لكن الوقائع أيضا تثبت أنه مهما اختلف المستوى الثقافى والاقتصادى للمصريين يظل لديهم نوع من الاستهانة بأى قيد، غير قادرين على التنازل عن عاداتهم وأساليب حياتهم، التي فيها يحتفلون بالحياة وطقوسها، النزول لشراء ملابس العيد والزحام دون أخذ الاحتياطات، والإعداد للكعك، الصلاة جماعة حتى لو سرا في المقاهى، أو فوق أسطح العمارات، في نوع من الالتفاف على الأوامر التي قد تفرضها الدولة، دون إدراك أن كل تلك الاحتياطات لمصلحتهم والحفاظ على حياتهم.
كيف نقضى على كراكيب العقل المصرى، كيف نرمى ونتخلص من الفائض والبالى ونعيد تنظيمه!؟ التعليم قضية وطن يا سادة.