استقبل الأقباط قرار البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، باستئناف صلوات الأكاليل «الزفاف»، التي سبق وعلقها المجمع المقدس للكنيسة القبطية، بالترحاب والتفاؤل، رغم ما رافق القرار من شروط وتدابير صحية، أكسبت طقس الزفاف هيئة جديدة لم تعرفها الكنيسة على مر التاريخ.
وكان قرار الكنيسة بإلزام أصحاب الزفاف بحضور 6 أفراد فقط دافعا للاختيار بين خيارين لا ثالث لهما، إما تأجيل الزفاف لأجل غير مسمى انتظارًا لانتهاء جائحة كورونا، أو إتمام الزفاف بالشكل الجديد مع القناعة بأن إتمام الزفاف في حد ذاته أهم من شكل الزفاف.
«المصرى اليوم» تمكنت من معايشة وكشف كواليس الأفراح القبطية، بعد قضاء يوم كامل بإحدى قرى المنيا، رصدت خلاله تفاصيل 3 أفراح قبطية كنماذج لـ«أفراح زمن كورونا».
وعلى بعد أكثر من 250 كيلومترا إلى الجنوب من القاهرة، ونحو 10 كيلومترات جنوب مدينة المنيا، تقع قرية «بنى أحمد الشرقية»، التي يقطنها نحو 10 آلاف مواطن، وتطل القرية مباشرة على طريق «مصرـ أسوان» الزراعى، كانت القرية على موعد مع 3 أفراح في يوم واحد، تممها جميعا القس ثاؤفيلس نبيل، راعى كنيسة الشهيد أبى سيفين والبابا كيرلس السادس بالقرية. يقول القس ثاؤفيلس نبيل لبيب إنه قبل كل صلاة إكليل نرسل مرتل الكنيسة أو «المعلم»، إبرام قاعود، ومعه خادم آخر لأسر العروسين، ليفهموهم ويشرحوا لهم القواعد والشروط الجديدة، وأهمها ألا يحضر الصلوات أكثر من 6 أشخاص، وأن يكون موعد الزفاف قبل مواعيد حظر التجوال بوقت كاف، ويحذرونهم من أنه لو حدث أي تزاحم لن يتمم الأب الكاهن الصلوات. وأضاف أنه بعد توضيح تلك الشروط لأسرتى العريس والعروس، وقبولها يتم التوقيع على إقرار بالالتزام بعدد الحاضرين وألا يتم تأجيل الإكليل وتدفع غرامة مالية.
وأوضح أن 90% ممن سبق لهم حجز مواعيد لإقامة طقس «أكاليل الزواج» أي الزفاف، لم يتراجعوا أو يعدلوا المواعيد، حتى مع قرار إيقاف مراسم وصلوات الأكاليل، بالتزامن مع غلق الكنائس بشكل عام، منذ مارس الماضى، حيث كان لديهم الأمل أن تفتح الكنائس عقب عيد القيامة، ومعروف أن الكنائس الأرثوذكسية لا تقيم صلوات الأكاليل «الأفراح» أثناء فترات الصوم، خاصة الصوم الكبير الذي يستمر طيلة الـ 55 يوما السابقة لعيد القيامة.
وأشار إلى أنه بعد عيد القيامة تستأنفت صلوات الأكاليل والخطوبات بالضوابط الجديدة، بالرغم من استمرار غلق الكنائس.
وعن إحساسه بالاختلاف بين إقامة صلاة الإكليل في الكنيسة والصلاة في المنازل، قال الأب ثاؤفيلس، إحساس واحد لأن الله، تبارك اسمه، هو المبارك للزفاف في الأساس، والله حاضر في كل مكان، ويقول الكتاب المقدس: «من اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون في وسطهم».
وعما لمسه من تغير في مشاعر الناس، أوضح القس ثاؤفيلس أن أهم الإيجابيات التي خلفتها أزمة «كورونا» هي أن إجراءات التباعد وحظر التجول أشعرا الكثيرين بقيمة العبادة ودور العبادة، فالناس شعرت بقيمة الصلوات أكثر من السابق، وتأكدت مهابة الكنيسة. رافقت «المصرى اليوم» الأب ثاؤفيليس، في 3 مناسبات متتالية، ورافقناه في سيارة خاصة، نتجول بين الطرقات الضيقة بالقرية، لنصل لأول المحطات بمنزل والد العروس مارى، ويدعى أبسخيرون فايز، والذى استقبلنا في حجرة الاستضافة «المندرة»، وهى حجرة لها باب مستقل عن المنزل، وتقدمنا مرتل الكنيسة لكى يطمئن على إجراءات وشروط التباعد، وبعدها لحقنا به برفقة القس ثاؤفيلس، لنجد العروسين منتظرين على «أريكة» أو كما يطلق عليها «كنبة بلدى»، وبرفقتهما والدا العريس والعروس وعم وخال واحد من كل طرف، دون السماح للنساء حتى والدتى العروس أو العريس أو أي سيدة أخرى، وفور الانتهاء من الصلوات دخلت والدتا العروس والعريس بالزغاريد.
العريس تيموثاوس سمير، عبر عن فرحته باليوم قائلا: «لم نشعر أن شيئا ينقصنا في خطوبتنا، وإن شاء الله في الإكليل أو الفرح هتكون قرارات كورونا انتهت ونفرح بفرحنا زى كل أصحابنا وأهالينا قبل كورونا».
وتحولت غرفة «المندرة» الملحقة بالمنازل القروية، والمخصصة لاستقبال الضيوف لما يشبه قاعة المناسبات رغم ضيق الأولى، وفى منزل بسيط وقف العريسان المقنعان، كيرلس غطاس شحاتة، وكاريمان جميل فوزى، مرتديان كمامات الوقاية، أعلى أريكة وكأنها كوشة تبتسم أعينهما في تحدٍ للظرف الراهن، وتفصح ملامحهما المنشرحة أن الشفاة ترسم ابتسامة رقيقة خلف الكمامة الطبية.
وعن إحساس العروس بارتدائها الكمامة في زفافها، قالت: «عمرى ما توقعت ولا شفت إن عروسة تلبس كمامة، لكن المهم أهلى وعريسى حولى وفرحانين، ويارب كورونا تنتهى ونرجع لحياتنا وعاداتنا الطبيعية اللى وحشتنا».
أما مكرم عزت، خال العروس كاريمان، فقال إن قرار عقد الزفاف في هذا التوقيت وفى ظل هذه الظروف الاستثنائية لم يكن أمرا سهلا، فجلس والدا العروسين ثم والد العروس مع جدها ورجال العائلة، ووصلنا إلى عدم التأجيل، ببساطة لأننا لا نعلم التأجيل سيكون لمتى.
وتابع عزت: بالرغم من أن إتمام الزواج في هذه الظروف الاستثنائية معناه الاستغناء عن عادات وتقاليد كثيرة متعددة خاصة في أفراح أهالى قرى محافظة المنيا، ومنها الزفة والكوشة والفرحة وسط الأهل وتشغيل DG في سرادق أو في المنزل، حتى أصغر التفاصيل في مباركة العروسين بالقبلات والأحضان ممنوعة حرصا علينا، ونحن مقتنعون بهذا تماما، ولكن كل تلك العادات تغير طعم الفرحة.
وعلى بعد خطوات ذهبنا لحضور مراسم إكليل العروسين مينا بشرى حبيب، ومنيرة يوسف حبيب، في مدخل المنزل الريفى البسيط وقفت العروس منيرة عابسة، رغم تكرار طلب المصور الفوتوغرافى منها الابتسامة، وقالت أصحابى وأقاربى ليسوا حولى في يوم فرحى، جلست أنا وعريسى ننتظر حضور أبونا في مدخل المنزل وأسرتينا فقط في الداخل، حيث المكان لا يسع سوانا وأبونا والمرتل والشماس ومصورى الفيديو والفوتوغرافى والباقون وقفوا بعيدا جدا، وكأنهم يتلصصون على سماع الصلوات واختلاس الأنظار إلينا.