أهنئ إخوتنا المسلمين فى مصر والعالم العربى ببدء صوم رمضان، كما أهنئ المصريين جميعًا بعيد تحرير سيناء ونطلب من الله أن يبارك بلادنا مصر ويحفظها بكل أمن وخير وسلام. بدأ الحديث فى مقالات سابقة عن كلمة «ﭼو رايت» والأدلة عليها من «المَسيحية» و«الإسلام»، ثم أشرنا إلى أن الوباء الذى يشهده العالم اليوم يُعد رسالة إلٰهية تفتقد البشر، ثم عرضنا لذكر الوباء فى كل من «المَسيحية» و«الإسلام»، مؤكدين أنه رسالة الله بالعودة إليه، متسائلين: أيوجد رجاء؟! من يمكنه أن يميز بين الشر والخير؟! هل من إنسان يتعظ ويعظ نفسه قبل غيره؟! بل، هل من إنسان؟!!
نعم، يوجد رجاء: حين يقدم الإنسان توبة صادقة حقيقية، منتزعًا من حياته الشرور، فهٰذه هى وعود الله إلى السالكين أمامه بأمانة قلب:
ينجيك من فخ الصياد
أعظم رجاء يمتلكه الإنسان هو الثقة بالله، وبقدرته وبحفظه لمن يتبعه بقلب صادق، ففى «المَسيحية»: «أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِى وَحِصْنِى. إِلٰهِى فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». لِأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الوبإ الخطر»، وفى «الإسلام»: ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾.
العودة الوحيدة إلى الله هى بالتوبة الصادقة: مِن ترك الشر، وفعل الخير. وبدايةً، أود أن أعرض لمثل واضح قُدم فى «المَسيحية» و«الإسلام»، عن نتائج رفض البشر للتوبة والاستمرار فى الشر: ففى قصة نبى الله «نوح»، نجد ارتباطًا واضحًا بين الطوفان وشر الإنسان، ففى «المَسيحية»: «وَفَسَدَتِ الأرض أَمَامَ الله، وامتلأت الأرض ظُلْمًا. وَرَأَى الله الأرض فَإِذَا هِيَ قَدْ فَسَدَتْ، إِذْ كَانَ كُلُّ بَشَرٍ قَدْ أَفْسَدَ طَرِيقَهُ عَلَى الأرض. فَقَالَ الله لِنُوحٍ: «نِهَايَةُ كُلِّ بَشَرٍ قَدْ أَتَتْ أَمَامِى، لِأَنَّ الأرض امتلأت ظُلْمًا مِنْهُمْ. فَهَا أَنَا مُهْلِكُهُمْ مَعَ الأرض»، وفى «الإسلام»: ﴿حَتَّى إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا أحمل فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ القول وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾، وكانت فرصة التوبة واضحة جلية قبل الطوفان منحها الله للبشر ممتدةً عشرات من السنوات الطوال فى بناء الفُلك، لٰكنهم رفضوا وتشبثوا بطرقهم الرديئة، بل سخِروا من «نوح» وهزئوا به!!
التوبة الصادقة
الله يدعو كل نفس إلى تقديم التوبة عن خطاياها وعودتها إليه، وهٰذا ما توضحه كل من «المَسيحية» و«الإسلام»، ففى «المَسيحية»: «ارجعوا عَنْ طُرُقِكُمُ الرديئة واحفظوا وَصَايَايَ، فَرَائِضِي»، و«ارجعوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ، قَالَ رَبُّ الجنود»، إن الأمل الوحيد للعالم هو أن يعود البشر عن شرورهم ويُصلحون من طرقهم وأعمالهم. فالله لا يُسَرّ بموت الخاطئ، بل أن يعود عودة صادقة ويحيا: «فَتُوبُوا وارجعوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ، لِكَيْ تَأْتِى أَوْقَاتُ الفرح مِنْ وَجْهِ الرب». وفى «المَسيحية» يصلون إلى الله: «وَلَا تُهْلِكْنِى بِآثَامِى، وَلَا تَغْضَبْ إِلَى الأبد فَتَحْفَظَ لِى شُرُورِى...». وفى «الإسلام»: ﴿إِلَّا اللذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التواب الرحيم، وأيضًا: ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين، وأيضًا: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. ويجب أن تكون التوبة صادقة، لا لدفع الإنسان الشر عن نفسه ثم عودته إلى ما كان عليه!! والله ـ تبارك اسمه ـ يعرف قلوب البشر ونياتهم ومدى صدق مشاعرهم. كذٰلك على الإنسان أن يكون جادًّا فى توبته، فيقطع طرق الشر ووسائله عن حياته برغبة وعزيمة لا تلينان.
ولذٰلك، صار لزامًا أن نهتم بالتوبة، وبالعودة إلى الأصول التى تسلمناها من تعاليم الأديان، وبمساعدة المحتاجين، وبالابتهال إلى الله أن يُنقذ العالم من الوباء والفناء والجلاء وسيف الأعداء، ويعيد السلام، وينجى البشرية، ويرحم الموتى ويعزى ذويهم، ويعطى الرؤساء والمسؤولين الحكمة فى اتخاذ قرارات مناسبة تقى شعوبهم من تبعيات هٰذا الوباء المقبضة وتداعياته المهلكة، و... وفى «مِصر الحلوة» الحديث لا ينتهى!
* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى
القبطى الأُرثوذكسى