x

صناديق الشرطة: فساد الحسابات الخاصة في وزارة الداخلية

الأحد 08-07-2012 16:30 | كتب: سناء عبد الوهاب |
تصوير : نمير جلال

 

حديث الصناديق الخاصة له تاريخ طويل، فبعد صدور القانون المنظم للصناديق الخاصة عام 1973، ومع لجوء الجهات الحكومية إلى إنشاء أعداد لا حصر لها من الصناديق، انفتح الباب على مصراعيه للفساد المالي والإداري.

فقد ذهبت معظم أموال الصناديق لشراء هدايا أو لتقديم مكافآت وبدلات لكبار المسؤولين، فاستحوذت تلك البنود وأمثالها على ما يزيد على 90% من إجمالي المنصرف في بعض الحسابات، في حين أن النسبة المقررة هي 20% فقط.

وقد نتج عن عدم إحكام الرقابة على الصناديق مخالفات مالية جسيمة بلغت ذروتها في العام المالي 2009-2010. فوفقًا للجهاز المركزي للمحاسبات، يدخل أكثر من 60% من جملة مصروفات الحسابات الخاصة في دائرة المخالفات المالية وإهدار المال العام.

وأمثلة المخالفات كثيرة. إذ يتم صرف مكافآت من بعض الصناديق لعاملين لا تربطهم صلة بنشاط الصناديق. كذلك هناك حالات عديدة لتحصيل رسوم بالمخالفة للدستور والقانون. هذا بالإضافة إلى ظاهرة بقاء أرصدة الصناديق لمدد طويلة دون الاستفادة منها في الأغراض المنشأة من أجلها. كما تم استخدام أموال الصناديق لشراء احتياجات بعض الجهات بالأمر المباشر بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات، وتم استخدام جزء من أموال بعض الصناديق كمساهمة في رأس مال بعض الشركات الخاسرة، وقام مسؤولون عن عدد من الصناديق بالصرف دون فواتير أو مستندات صرف. وفي حالات كثيرة افتقرت الصناديق إلى نظم محاسبية سليمة من شأنها حصر جميع العمليات المالية.

صناديق بلا رقيب

هكذا تحولت الصناديق الخاصة إلى «مال سايب» ووصل الفساد فيها «للركب». ويكفي لكي نتخيل حجم الفساد المالي والإداري المرتبط بأنشطة الصناديق الاطلاع على المعلومات الواردة في البلاغ المقدم للنائب العام من إبراهيم جبل –رئيس مجموعة مراجعة بالجهاز المركزي للمحاسبات ورئيس حركة «رقابيون ضد الفساد»– الذي يتضمن مخالفات قانونية جسيمة ارتكبتها وزارة الداخلية وتم رصدها في تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات.

بادئ ذي بدء، يذكر البلاغ أن الجهاز المركزي للمحاسبات أورد في تقاريره عن إيرادات واستخدامات الصناديق الخاصة عن العام المالي 2009-2010 خمس حسابات فقط تخص وزارة الداخلية وهي: صندوق «مشروعات أراضى وزارة الداخلية» الذي تبلغ إيراداته 568 مليون جنيه واستخداماته 384 مليون جنيه، وصندوق «تحسين الرعاية الاجتماعية والصحية لضباط الشرطة وأسرهم» الذي تبلغ إيراداته 1.702 مليار جنيه واستخداماته 1.144 مليار جنيه، وصندوق «تطوير نظام الأحوال المدنية» الذي تبلغ إيراداته 368 مليون جنيه واستخداماته 165 مليون جنيه، وصندوق «تصنيع السجون» الذي تبلغ إيراداته 36 مليون جنيه واستخداماته 25 مليون جنيه، وصندوق «تحسين الخدمة بمستشفي الشرطة» الذي تبلغ إيراداته 353 مليون جنيه واستخداماته 338 مليون جنيه.

إلا أن مقدم البلاغ يؤكد أن هناك عددا من الصناديق الأخرى التابعة لوزارة الداخلية أغفلها الجهاز المركزي، وهي تزيد على 38 صندوقًا، منها صندوق «التأمين الخاص لضباط الشرطة»، وصندوق «الولاء لضباط الأمن المركزي» الذي تتبعه مخابز الشرطة والذي يعمل به جنود بالخدمة تتحمل الدوله كافة مخصصاتهم، وصناديق «المرور» التي تودع بها أغلب متحصلات المرور، فضلا عن الحسابات الخاصة لشركة «الفتح» التي تقوم بأعمال وتوريدات وزارة الداخلية بالأمر المباشر، و«مركز صيانة السيارات» بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وفنادق ونوادي الشرطة، وكل تلك الصناديق تعمل دون رقابة تذكر من الجهاز المركزي للمحاسبات.

في ظل هذا السيل الهادر من الصناديق غير الخاضة للرقابة، وصلت ميزانية الحسابات الخاصة بوزارة الداخلية إلى رقم فلكي: 120 مليار جنيه على مدى 12 عامًا، أكد مقدم البلاغ أن نسبة كبيرة منها استخدمتها قيادات الداخلية في الاستيلاء على المال العام من خلال فرض رسوم تم تجنيبها لصرف حوافز أو مكافآت للقيادات بالمخالفة للقوانين واللوائح.

اللوحات المعدنية

يذكر بلاغ إبراهيم جبل قصة اللوحات المعدنية الشهيرة التي وقعت أحداثها في عصر وزير الداخلية حبيب العادلي. إذ يذكر أن وزارة الداخلية فتحت حسابًا خاصًا بفائدة خارج البنك المركزي بدون الرجوع إلى وزارة المالية بهدف إيداع قيمة تأمين اللوحات المعدنية للمركبات استخدمت أمواله في صرف مكافآت وحوافز للعاملين بالمخالفة لأحكام القانون. كذلك قامت الوزارة بفتح حسابين آخرين بفائدة بموافقة وزير المالية بكل من البنك الأهلي برقم 909/57/1 وبنك مصر برقم 5/00/136469/37/101 وخاطبت إدارات المرور لسداد قيمة تأمينات لوحات السيارات فيهما. الهدف المعلن من فتح تلك الحسابات كان استخدام فوائدها في تطوير الوسائل والأجهزة والمعدات بإدارات وأقسام المرور، بالإضافة إلى صرف حوافز للعاملين. لكن إدارة الحسابات تركت التصرف واتخاذ القرار بشأنها «وفقًا لما يراه وزير الداخلية» دون أية رقابة بالمخالفة للقانون.

أيضًا أشار البلاغ إلى أنه في 17 يونيو 2006 صدر القانون رقم 139 لسنة 2006 الذي يقضى بغلق الحسابات المفتوحة خارج البنك المركزي وبإلغاء كل الموافقات السابقة لوزير المالية بهذا الخصوص. ولكن نظرًا لأن حسابي وزارة الداخلية ببنكي الأهلي ومصر كانا يستخدما في صرف حوافز ضخمة لقيادات وزارة الداخلية، فإن الداخلية لم تغلقهما. كذلك، فإنه كانت هناك تعليمات بعدم توريد بعض المبالغ بهذين الحسابين إلى وزارة المالية. وقد حصرت تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات من هذه الأموال المجنبة أموالا قدرها 17مليونا و423 ألفا و348 جنيها تم تضمينها في تقرير الجهاز رقم 11 في 9/1/2009. الطريف هنا أن وزارة الداخلية رفضت رد المبالغ إلى المالية.

الرخص المؤمنة

قصة أخرى أقدم – من عهد الوزير عبد الحليم موسى – يرويها بلاغ إبراهيم جبل. إذ يحكي مقدم البلاغ أنه قد صدر قرار من وزير الداخلية محمد عبد الحليم موسي برقم 750 وبتاريخ 18 يناير 1991 بتشكيل لجنة لوضع القواعد المتعلقة بتحديد تكاليف إصدار رخص مؤمنة لقيادة وتسيير المركبات، وكيفية تغطية نفقات الإصدار من طالبي الترخيص، وكذلك كيفية التصرف في الحصيلة الواردة من الرسوم المفروضة على طالبي الترخيص من المواطنين.

ويطعن البلاغ في هذا القرار من أساسه. إذ يقول أن إصدار رخص قيادة وتسيير المركبات بصورة مؤمنة بما يمنع تزويرها أو التلاعب في بياناتها يعد من الأعمال «السيادية» للدولة، ولذا فإن ما يتم تحصيله من طالبي الترخيص مقابل هذا الأمر يعد فرضًا لرسم بغير سند من قانون المرور وبالمخالفة لأحكام الدستور وتعليمات مجلس الوزراء.

الأنكى أن البلاغ يقول أنه تبين بعد الفحص قيام اللجنة المشكلة بالقرار المشار إليه بفرض رسوم تزيد عن التكاليف المباشرة لإصدار الرخص المؤمنة بنسبة 250%. وقد قامت الإدارة العامة للمرور بتجنيب هذه المبالغ الإضافية في حسابات خاصة تم توجيه جانب كبير إنفاقها إلى مجالات خارجة عن الموازنة العامة للدولة.

خدمات المرور

مجال آخر لفساد الصناديق الخاصة في وزارة الداخلية هو خدمات المرور. إذ ذكر البلاغ أنه قد تم التغاضي على مدى سنوات عن قيام الداخلية بفرض رسوم على خدمات المرور وإدراجها بحسابات وصناديق خاصة وصرف معظمها كمكافآت وحوافز لكبار ضباط وزارة الداخلية بالمخالفة للدستور والقوانين واللوائح المعمول بها، وقد قدر مقدم البلاغ قيمة ما تحتويه الحسابات المخالفة بحوالي 10 مليارات جنيه.

يشرح البلاغ أن وزارة الداخلية قامت بفرض وتحصيل رسوم على خدمات المرور بالزيادة ودون وجه حق، ووفقًا لجبل فإنه قد تبين بعد الفحص قيام الداخلية بإصدار تعليمات شفهية لإدارات المرور بتحصيل بعض الرسوم التي تسدد لحسابات وصناديق خاصة، فمثلا كشفت عدة تقارير صادرة عن شعبة محافظة الغربية منها تقرير رقم «199» الصادر في 30 مارس 2006 أن المبالغ المحصلة وصلت إلى «206.125» ألف جنيه رسوم رخص تسيير المركبات المؤمنة و«126.575» ألف جنيه رسوم وثيقة التعريف بالسائقين المهنيين، وهي مبالغ تزيد على القيمة المحددة للنماذج التي تم توريد حصيلتها من الصناديق الخاصة إلى محافظة الغربية، ويشير البلاغ إلى أن هناك دلائل على اتباع نفس الأسلوب في باقي محافظات الجمهورية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية