لم تتوقف الصحافة المصرية، بالقدر الكافى، أمام الزيارة التى قام بها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إلى السعودية، ومن بعدها البحرين، فالزيارة إلى الرياض كانت بدعوة من الملك عبدالله شخصياً، وفى المنامة كان الملك حمد بن عيسى، هو الآخر، فى استقباله هناك.
بالطبع، فإن أحمد الطيب ليس أول شيخ للأزهر يزور البلدين، ولن يكون آخرهم، ولذلك فإن الجديد فى الموضوع هو هذا الترحيب البالغ الذى كان فى انتظار الرجل فى العاصمتين، ثم هذه الحفاوة الظاهرة التى جرى استقباله بها فى كل مكان ذهب إليه!
وقد كان واضحاً للغاية أن الذين رحبوا برأس الأزهر، بهذه الصورة، إنما كانوا يرحبون فى الأصل بمصر التى يحنون إليها، والتى غاب وجهها الحقيقى عنهم هذه الأيام، وظهر فى مكانه وجه إخوانى متشدد، لا علاقة لمصر الحقيقية به، ولا علاقة له بها.
فالشيخ الجليل يجاهد، فى أيامنا هذه، من أجل أن يصد عن الأزهر هجوماً جاهلياً، ومن أجل أن يحتفظ به رمزاً للوسطية فى التفكير، وللسماحة فى التعامل مع الآخرين، وللاعتدال فى تناول مختلف القضايا، وهى صفات ثلاث، من أول الوسطية، مروراً بالسماحة، وانتهاءً بالاعتدال، تبدو منذ فترة وكأن هناك مَن يحاول طمسها، وإهالة التراب فوقها، لتحل محلها كل صفة كريهة، وممقوتة، ومرفوضة.
وحين استقبل الأمير سلمان، ولى عهد السعودية، شيخنا العظيم، فإنى أحسست بأن المملكة السعودية، ممثلة فى ولى عهدها، كانت تبحث عن مصر التى كانت تعرفها زمان، فى وجه «الطيب» وفى حديثه، وفى ثنايا عقله، وفى رجاحة تفكيره، وفى منطق إنسانى مكتمل لا يفارقه فى حياته.
كانت السعودية، ومن بعدها البحرين، تفتح كل الأبواب أمام شيخ الأزهر، لأنهم هناك يدركون، كما ندرك نحن هنا، أن شيخنا رفيع المقام هو بعض ما تبقى من مصرنا الحقيقية، وأنه يعى تماماً معنى أن تكون مصر حاضرة طول الوقت، بوجه عرفها به العرب، ويريدونه حياً دائماً، ولا يحتملون أن يغيب عنا فى أى لحظة!
كان شيوخ الأزهر العظام يترددون على السعودية، فى كل وقت، وكان آخرهم الراحل الكريم الدكتور محمد سيد طنطاوى، الذى شاءت له السماء أن يلقى وجه ربه هناك، ولكن لم يكن أى منهم يجد نفسه محمولاً على الأعناق، بالمعنى المجازى للكلمة، بمثل ما صادف شيخنا الطيب، منذ أن حطت قدماه أرض العاصمة السعودية، إلى أن غادر العاصمة البحرينية.
وليس فى الأمر بطبيعة الحال ما قد ينال من قدر شيوخ الأزهر الذين سبقوا، وإنما القصة هنا أن العرب، بوجه عام، يفتشون فى اللحظة الراهنة عن مصر التى عرفوها، وعرفها العالم، بأصالتها، وعراقتها، وتفردها، فلا يكادون يقعون من ذلك كله على شىء، وما كادوا يجدون بعضاً مما ينقبون عنه، عند شيخنا الطيب، حتى استقبلوه استقبال الفاتحين، باعتبار أنه شىء من رائحة مصر الغائبة، أو التى يراد لها أن تغيب.. ولن تغيب!