أثار الاستفتاء السويسرى بقرار حظر بناء المآذن، جدلاً واسعاً فى دول العالم ما بين مؤيد ومعارض، وبينما أعربت المؤسسة الدينية فى مصر (المتمثلة فى الأزهر الشريف وجامعته ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء) عن استنكارها لهذا الحظر، ووصفته بأنه «يؤدى إلى بذر بذور الكراهية والتمييز ضد المسلمين فى سويسرا»، فإن بعض القوى اليمينية المتطرفة فى دول أوروبا طالبت بإجراء استفتاءات مماثلة حول هذه المسألة.
وأكد بيان مشترك صدر أمس عن الأزهر وجامعته ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف أن المسلمين فى سويسرا لم يصدر عنهم أى تصرف يعكر صفو العلاقات بينهم وبين المجتمع السويسرى.
وحث البيان على ضرورة تدارك هذا الحظر من أجل تجنب الآثار السيئة التى قد تنتج عنه.
على الصعيد الأوروبى، وصف المتحدث باسم اللجنة البرلمانية للشؤون الداخلية بالحزب الاشتراكى الديمقراطى فى ألمانيا، سباستيان إيداتى، الاستفتاء السويسرى بأنه «مثير للجدل»، وهو الموقف الذى أيده حزب الخضر الذى وصف الاستفتاء بـ«العنصرى»، مؤكدا أن الاستفتاء لم يقتصر على المآذن بل تجاوزه إلى حرية الأديان.
وفى إيطاليا أثارت نتائج الاستفتاء رد فعل مختلفاً، حيث ثار جدل بشأن إضافة رسم الصليب للعلم الإيطالى، وهو الاقتراح الذى يؤيده تيار «رابطة الشمال» المشارك فى التحالف الحاكم بزعامة سيلفيو برلسكونى، والذى أشاد بنتيجة الاستفتاء السويسرى واعتبره «انتصاراً على أيديولوجية الأسلمة».
بينما أعرب المتحدث باسم الحزب الاشتراكى الفرنسى المعارض، بنوا هامو، عن قلق المعارضة من نتائج الاستفتاء، محذرا من أن الرئيس الفرنسى يسعى لإقرار أمر مماثل فى فرنسا، بدعوته لإجراء حوار حول قضية الهوية الوطنية.
من جانبه استبعد وزير الداخلية الإسبانى، ألفريدو بيريث روبالكابا، إمكانية تكرار الاستفتاء السويسرى على حظر بناء المآذن فى دول أوروبية أخرى، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن بلاده لم تتخذ «موقفاً محدداً»، لكنه شخصيا كان سيصوت ضد الاستفتاء بالحظر.
فى حين طالب متطرفو الدنمارك باستفتاء مماثل على منع بناء المآذن فى بلدهم، ورحبت رئيسة حزب الشعب الدنماركى المتطرف، بيا كايرسجارد، بنتيجة الاستفتاء على الرغم من أنه لا توجد فى الدنمارك حتى الآن مساجد ذات مآذن، كما أعرب الحزب الليبرالى فى حكومة يمين الوسط التى تتولى الحكم عن رفضه الواضح لمنع بناء المآذن فى بلاده، وهو الموقف الذى اتخذه الاشتراكيون المعارضون أيضاً.
فى السياق ذاته، أعلنت الأمم المتحدة أنها بصدد دراسة مدى شرعية الحظر على بناء مآذن جديدة فى سويسرا، منوهة إلى أن خبراء من المنظمة سيدرسون ما إذا كان الحظر يتوافق مع القانون الدولى أم لا؟!، بينما وصفت مفوضية الأمم المتحدة لحرية الأديان استفتاء حظر بناء المآذن فى سويسرا بأنه «تمييز» ضد المسلمين هناك.
وقالت المقررة الخاصة المعنية بحرية الدين والمعتقدات بالأمم المتحدة، أسماء جهانغير، إنها تأسف بشأن تصويت السويسريين على قرار يحظر بناء مآذن جديدة، واصفة هذا الحظر بأنه «تمييز» ضد المسلمين، مضيفة أن لديها مخاوف من التأثير السلبى لنتيجة هذا التصويت على حرية الدين والمعتقدات لأعضاء الجالية المسلمة فى سويسرا، مشيرة إلى أن حظر المآذن «يعد تقييداً لحرية التعبير عن الدين».
ولفتت جهانغير، إلى أن مثل هذا القرار يثبت أنه لا توجد مجتمعات محصنة ضد عدم التسامح الدينى، وحثت السلطات السويسرية على المصادقة على العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية حرية الدين والمعتقدات للجالية المسلمة فى البلاد.
وأدانت كل من المنظمات الإسلامية فى فرنسا والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة قرار الحظر، معتبرة ذلك نجاحاً لسياسة التخويف من التواجد الإسلامى فى أوروبا، فى حين طالب مسلمو أمريكا الرئيس باراك أوباما بانتقاد التصويت السويسرى باعتباره خرقاً للقانون الدولى.
إلى ذلك ركز عدد من الصحف الأجنبية على رصد تأثير قرار حظر بناء المآذن فى سويسرا، وربطت الكاتبة المصرية، منى الطحاوى، فى مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أمس، بين قرار ونشر حزب الشعب السويسرى لأفكاره العنصرية منذ وصوله السلطة عام 2007، موجهة سؤالاً إلى سويسرا والدول الأوروبية المتبنية الاتجاه اليمينى عما إذا كانت اتخذت السعودية «نموذجا» فى التشدد اليمينى.
وقالت الطحاوى فى مقالها الذى حمل عنوان «مناداة أوروبا بعدم التسامح»، إن الأزمة الجوهرية فى هذا الأمر لا تتمثل فى بناء المآذن وإنما فى طريقة تعامل أوروبا مع المهاجرين سواء المسلمين أو غيرهم، مضيفة أن قارة أوروبا ستتعرض لاضطرابات فى ظل إصرار الجناح اليمينى على هذه الاستفزازات التى تضر بحقوق الإنسان والحرية.
ووصفت الكاتبة اعتبار «المآذن» رمزاً للإسلام السياسى فى أوروبا بـ«المثير للسخرية»، قائلة إنه إذا كان حزب الشعب اليمينى السويسرى يعتقد أن استخدام المآذن لدعوة الناس للصلاة نوعا من تجنيد الأشخاص، فعليه أن يمنع أجراس الكنيسة.
من ناحيتها، وصفت مجلة «دير شبيجل» الألمانية قرار الحظر بأنه «نجاح صادم» للسياسيين اليمنيين فى سويسرا، الذين شنوا حملة ضد المآذن خلال الأشهر الماضية، حول «المآذن» إلى رمز لتزايد نفوذ الإسلام فى سويسرا، وخلق شعوراً من عدم الارتياح والخوف من الإسلام بين السويسريين.