ليس التاجر وحده الذى إذا أفلس راح يفتش فى دفاتره القديمة، وإنما الحكومات تفعلها أيضاً.. والحكاية أن الدكتور عمرو بدوى، رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، قال فى «المصرى اليوم» صباح أمس الأول إن الجهاز يبحث عن طريقة للتعامل مع برنامج «ڤايبر» الذى يتيح لمستخدميه إجراء الاتصال الصوتى مجاناً عن طريق الإنترنت!
ولا أحد يعرف ما هى بالضبط هذه الطريقة التى تفكر فيها الحكومة، وجهازها، ولكن ما نعرفه أن هذا البرنامج موجود، ومنتشر، وأن عدد مستخدميه حول العالم، كما جاء فى الخبر المنشور فى الصفحة الأولى، وصل إلى نحو 100 مليون مستخدم.
هناك كلام بالطبع عن أن مؤسس البرنامج رجل إسرائيلى، وأنه، أى «ڤايبر»، يمكن فى حالة من الحالات أن يشكل تهديداً للأمن القومى، وأن الجهاز، فى حالة كهذه، قد يفكر فى منعه، بأى وسيلة!
ولكن.. دعونا نسأل بصراحة: مَنْ الذى سوف يستفيد من وقف الاتصال عن طريق هذا البرنامج؟!
كلام الدكتور عمرو يشير إلى أن شركات المحمول تشكو، منذ فترة، من شيوع الاتصال عبر «ڤايبر» ومن تزايده، بما يعنى أن عينها على الذين يتصلون من خلاله، لأن اتصالهم ببعضهم البعض، عن طريق البرنامج إياه، يتم كما نعرف، مجاناً، ودون مقابل، فى حين أن وقف البرنامج سوف يجعلهم يتصلون من خلال شبكات هذه الشركات، وهو ما سوف تتم ترجمته فى النهاية فى صورة عائد يصب فى خزائنها.. هذه هى القصة باختصار!
وبجوار أطماع شركات المحمول، وسعيها المحموم إلى أن يكون كل اتصال من خلالها، لتنتفع هى وحدها، مادياً، فإن للحكومة انتفاعاً من نوع مختلف، وهو أن محاصرة البرنامج، ووقفه، أو إلغاءه، سوف يتيح لها التلصص، والتجسس، على خلق الله من المصريين، وسوف يمكنها من مراقبة كل مكالمة تجرى الآن عن طريق «ڤايبر» ولا تستطيع هى كحكومة، مراقبتها، لأن الاتصال، والحال هكذا، يجرى بعيداً عن أى شبكة اتصال تسيطر عليها الحكومة.
وما ينساه الذين يفكرون بهذا الأسلوب الذى عفا عليه الزمن أنهم حتى إذا أوقفوا «ڤايبر» فإن هناك برامج أخرى مماثلة، ومنافسة، ومنها - مثلاً - برنامج «سكايب»، أو «تانجو»، أو «Call me» أو «Face Time» أو.. أو.. إلى آخره، بما يؤكد، أن الإغلاق، أو الوقف، ليس هو الحل، وأنه فى كل حالاته لن يؤدى إلى توجيه عائد هذه الاتصالات إلى خزائن شركات المحمول، ولا إلى قدرة حكومة الإخوان على ملاحقة هذه الاتصالات، ومراقبتها، والتنصت عليها!
حظر التكنولوجيا لم يعد ممكناً، والموضوع فى إجماله لا يدل على إفلاس حكومى إخوانى مادى، أو أمنى، بقدر ما يدل على إفلاس سياسى فى المقام الأول!