x

ناجح إبراهيم د. باسم يوسف: بين عثمان وأبي ذر ناجح إبراهيم الأربعاء 13-03-2013 22:05


■ كان الخلاف بين الخليفة عثمان والزاهد أبى ذر من أهم التباينات الفكرية فى ذلك العهد.. فقد كان أبوذر يرى عدم التوسع فى الدنيا وأنه يجب على كل مسلم أن يتصدق بكل ما يفيض عن حاجته الضرورية.. مستدلاً بقوله تعالى «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ».

■ وقد ذهب إلى معاوية بالشام حيث رغد العيش والقصور والبساتين فظل ينشر دعوته بين البسطاء والفقراء.. وحاول معاوية أن يهدئ ثورته رغم إدراكه خطر دعوته.. فأبلغ عثمان رضى الله عنهم.. فاستدعاه إليه وأخبره أن الإسلام لا يرى بأساً بكثرة المال مادام اكتسبه وأنفقه صاحبه من حله وأدى زكاته.. وأن الذين يكنزونه هم الذين لا يدفعون زكاته ولا يؤدون حق الله فيه.. وأنه لا يستطيع حمل الناس على أمر لم يفرضه الله عليهم ولا أن يلزمهم بما لم تلزمهم به الشريعة.

■ ولكنَّ أبا ذر أصر على موقفه والخليفة كذلك.. وحينها لم يجد أبوذر بداً من أن يعيش بفكرته ورأيه وحيداً فى منطقة «الربذة» قرب المدينة رغم إلحاح الخليفة عليه بالبقاء.

■ إنه خلاف بين رجل الدولة الذى يدرك حدود ما يستطيع فرضه على الناس ورجل المثالية والدعوة الذى يريد من عوام المسلمين أن يتبرعوا بأموالهم ويعيشوا حياة النبى (صلى الله عليه وسلم) على حصير.. يجوع يوماً ويشبع يوماً.. ولا يُطبخ فى بيته طعام لعدة أشهر.

■ حتى بعد أن فتحت على المسلمين خزائن كسرى وقيصر وأجمل البلاد فى الشام والعراق.

■ لقد قرأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) مبكراً شخصية أبى ذر المغرقة فى المثالية.. فقد رغب أبوذر فى الإمارة «أى الحكم».. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة».. ولم يكن هذا الضعف الذى ذكره الحديث فى إيمانه ولا يقينه ولا بنيانه.. ولكن الضعف السياسى والإدارى والقيادى.. فليس كل من كان تقياً أو داعية يصلح للقيادة والحكم الذى يحتاج إلى طاقة نفسية واستعداد فطرى متميز وجمع الواجب والواقع.. والمثالية والواقعية.. والدين والحياة.. والحزم مع الرفق.

■ لقد قرأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مبكراً شخصية أبى ذر فمنعه من الحكم رغم حبه له وأخبره أنه يعيش ويموت وحده.

■ لقد رفض أبوذر كل عروض متآمرى الكوفة الذين ثاروا على عثمان حينما عرضوا عليه قيادة الثورة المسلحة قائلاً لهم فى رقى سياسى رائع لا مزايدة فيه: «والله لو أن عثمان صلبنى على أطول خشبة لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورأيت ذلك خيراً لى».. إنه لا يرى نفسه ولا يدور حولها ولا يريد حرق الكون حول خصمه السياسى أو الفكرى حتى لو احترق الوطن معه.

■ إن قضية أبى ذر تعلمنا أن التقوى والزهد والورع ليست المعيار الأساسى فى الحكم وإن كانت عناصر مطلوبة فيه.. وأنه يجوز للصالح الزاهد أن يفرض على نفسه شيئاً ولكنه لا يجوز أن يلزم الناس بشىء لم يلزمهم به الله.

■ وأن كل تشريعات الإسلام تراعى أضعف الرعية وتراعى اليسر والتدرج.

■ فالزكاة فى الإسلام ربع العشر فى حين أن الضريبة فى الغرب قد تصل إلى 60% لبعض الممولين.

■ الخلاف بين عثمان وأبى ذر رضى الله عنهما هو عنوان الفرق بين رجل الدولة المسؤول ورجل الدعوة أو الخطيب المثالى.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية