ودَّعت جموع الشعب الفنزويلى بالخشوع والدموع زعيمها يوم الجمعة الماضى بعد أن جددت انتخابه عدة مرات تقديراً لبرنامجه السياسى الاجتماعى القائم على كبح جماح الرأسمالية الخبيثة وفرملة عجلاتها الوحشية التى تسحق ملايين البشر، رحل هوجو تشافيز تاركاً بصمته على التاريخ الإنسانى ليلقى ربه كأحد حراس مملكة العدل والخير التى يريدها الله - عز وجل - على الأرض وتهفو إليها النفوس النبيلة الطاهرة. جاء تشافيز للحكم ليصحح معايير حكم رأسمالية الأوليجاركية الحاكمة، أى القلة الحاكمة التى تدير موارد البلدان لحسابها الشخصى، ولتحرم عشرات الملايين من حقها ونصيبها فى الثروة الوطنية، واستطاع تحقيق توزيع عادل للثروة.
أرجو أن يتنبه حكامنا الإسلاميون إلى أننا أحق بحكم أخلاق القرآن الكريم بإقامة العدالة الاجتماعية والقضاء على احتكار قلة من الحكام وأتباعهم الثروة العامة. احتفائى بـ«تشافير» سيكون من خلال الكشف عن اقتراب مبادئه فى توزيع الثروة الوطنية توزيعاً عادلاً من دستور الأخلاق القرآنى الذى كشف عنه فى صورته المتكاملة شيخ الأزهر الأسبق الأستاذ الدكتور محمد عبدالله دراز فى رسالته للدكتوراه.
لقد أجازتها لجنة من كبار أساتذة الأخلاق والفلسفة والاجتماع بجامعة السوربون والكوليج دى فرانس فى باريس فى 15/12/1947.
جاءت الرسالة تحت عنوان «دستور الأخلاق فى القرآن.. دراسة مقارنة للأخلاق النظرية فى القرآن». لقد ألحَّ الشيخ فى رسالته على مبدأ الإلزام الأخلاقى ومبدأ المسؤولية. لقد جاء تشافيز بضميره النقى لفنزويلا ليبدل أحوالها المشابهة لأحوال مصر قبل الثورة وحتى اليوم ولقد نجح،
إن الأخلاق لا تجد مكاناً أكثر خصوبة تزدهر فيه من ضمير المؤمن بوجود الله، مصدر الخير والعدل، والذى طبع فى النفس الإنسانية الحاسة الأخلاقية والقانون الأخلاقى. «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها»، «مقدمة الرسالة فى طبعتها العربية بقلم د. السيد بدوى». إن الإنسان العادى يستطيع أن يميز فى كل ما يقوم به من أنواع السلوك هو وغيره بين ما هو خير وما هو شر بحكم هذا الطابع الفطرى الأخلاقى الذى فطره الله عليه.
وهو أمر يجعلنا جميعاً مسؤولين عن أى فساد حولنا بدرجات مختلفة وملزمين بالتالى بالدعوة إلى الصلاح وتنقية المجتمع من الفساد والشرور. ليس أدل على صحة المجتمع المصرى واستعداده للتخلص من كل هذه الشرور من عشرات الأقلام التى تحارب الفساد والاستبداد والفقر فى الصحف كل يوم، ومن عشرات المذيعين ومقدمى البرامج التليفزيونية ومعديها الذين يحملون على كل صور الفساد الاجتماعى الكبير الذى يضرب العدالة الاجتماعية فى مقتل.
لقد اندفع الشيخ إلى رسالته عندما لاحظ أن مؤلفات علم الأخلاق العام على مستوى العالم تصمت صمتاً مطلقاً عن علم الأخلاق القرآنى، وأن المحاولات الغربية التى قام بها أساتذة مستشرقون مثل جارسان دى تاسى ولوفيفر وبارثلمى سانت هيلير جاء مضمونها بعيداً عن المطابقة الدقيقة للنظرية القرآنية الحقة.
فمن حيث الإطار نجدهم أغفلوا الجانب النظرى من المسألة، فليس هناك عالم أوروبى واحد حاول أن يستخلص من القرآن مبادئه الأخلاقية العامة أو اهتم بأن يصوغ قواعده العملية ويقدمها فى صورة دستور متكامل.
عوداً إلى اختبار مبادئ شافيز عن العدل ومحاربة احتكار ثروة المجتمع ورفض الفساد الكبير لدى الحكام وأتباعهم من طبقة الأغنياء والمؤدى إلى حرمان الملايين.. دعونا نتأمل معانى الآيات التالية لنعلم أننا الأحق بهذه المبادئ التى يلزمنا بها المولى عز وجل بكلمات صريحة.
1- فى تحريم احتكار الثروة: سورة الحشر الآية 7 : «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم». إنه نص صريح فى منع احتكار الثروة بين الحكام وأتباعهم من الأغنياء، وهو أيضاً نص صريح فى ضرورة التوزيع العادل على جميع أبناء المجتمع.
2- فى تحريم الفساد والإفساد من الحاكم والمحكوم: سورة البقرة الآية رقم 205: «وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد»، وسورة الرعد الآية رقم 25 تقول: «والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار»، وسورة القصص آية رقم 83 تقول «تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين».
3 - فى فضل العطاء والكرم والتواضع مع أبناء المجتمع: سورة الليل الآيات من 4 - 10 «إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدّق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى».
وتقول سورة السجدة الآيتان 15، 16 «إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون». وتقول سورة البقرة آية رقم 177: «... ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب».
أرجو أن تتذكروا مقولة «وجدت فى الغرب إسلاماً بلا مسلمين وفى الشرق مسلمين بلا إسلام».