x

رسالة من مجند قتله «مسجلون» إلى الرئيس والمشير: «دمى بين إيديكم»

الجمعة 06-07-2012 20:44 | كتب: سامي عبد الراضي |
تصوير : اخبار

السيد محمد مرسى.. رئيس الجمهورية.. المشير طنطاوى القائد العام.. تحية طيبة وبعد.. أنا اسمى محمد محمود أحمد الخطيب.. عمرى 22 سنة.. وأقضى فترة خدمتى العسكرية فى سيناء.. وبالتحديد فى «الحسنة» بالوسط.

السيد.. المشير.. سيدى الرئيس.. تابعنا الجمعة الماضى ظهور الرئيس محمد مرسى فى ميدان التحرير.. ميدان الشهداء.. وهو يخطب فى الجمهور.. وشعرنا بالفخر عندما وقف على المنصة وفتح ذراعيه ورفع جاكيت البدلة وهو يقول: «انا أهو مفيش واقى للرصاص.. صدرى مفتوح».. وهتف وصفق له الكثير.

سيدى.. بعد 12 ساعة من هذا الخطاب.. كنت أنا فى مهمة رسمية لمطاردة بعض الخارجين على القانون فى المنطقة الحدودية.. وكان مع زملائى وقائدنا هو النقيب كريم.. فجراً.. كنا نطارد سيارة محملة بالسولار.. واستمرت المطاردة وقتاً ليس بقصير.. انتهت بانقلاب سيارتنا وإطلاق الرصاص علينا.. زميلى المجند عيد عبدالوهاب محمد أصيب باشتباه كسر فى الساقين.. وزميلى أحمد شوقى عبدالحميد أصيب باشتباه كسر فى العمود الفقرى.. وزميلى إبراهيم نصر عبدالرحمن أصيب باشتباه كسر فى الساق اليسرى وكدمات فى الوجه.. وزميلى حامد عبداللطيف حامد أصيب باشتباه ما بعد الارتجاج.

تسأل عنى.. وتقول ماذا عنك.. اطمئن.. أنا كنت أرتدى ملابسى.. ملابس الجيش.. لم يكن معى واق.. مثل الرئيس تماما.. لا أرتدى خوذة.. واسأل زملائى.. أنا بخير.. أنا الآن فى مكان أفضل.. مكان ليس فى «وحشة» صحارى سيناء ولا طرقها الملتوية والغاضبة.. أنا فى مكان ليس به «خارجون على القانون».. أنا سيدى.. بين يدى رب العالمين.. أنا هناك بين يدى ربى.. سيدى.. لقد تلقيت رصاصة واحدة فى الرأس.. عطلت جميع أجهزة الجسم.. ونقلونا أنا وأصدقائى زملائى المصابين.. لم أتحمل كثيراً ولا أعرف كيف نقلونا إلى مستشفى العريش العسكرى.

هناك فى هذه المدينة أفراد كثيرة من عائلتى.. ليسوا من أبنائها ولكن «عمروها».. نزحوا إليها من الجنوب.. وبالتحديد من شمال محافظة سوهاج.. قرية تبعد عن مكان الحادث قرابة 750 كيلو متراً.. قرية اسمها «شطورة».

تذكرت وأنا فى لحظاتى الأخيرة.. والدى مهندس الكهرباء.. وتذكرت معه رسالة كتبها أحمد فؤاد نجم وغناها الشيخ إمام.. تذكرت أننى «رابض ع الحدود.. محافظ ع النظام.. وراقب للأمام».. تذكرت أمى التى تدعو لى وتسلم على.. «كان أبى معى على الهاتف صباح الخميس.. قبل ساعات من الجريمة.. تذكرت أخى الأكبر أحمد وشقيقتى المتزوجة فى قطر.. وشقيقتى الصغرى.. أولى ثانوى.. تذكرت عائلتى فى «الجنوب»، وكيف سيقفون هم وأهل قريتى بأكثر من 30 ألفاً عند المقابر ينتظرون الموتى.

لن أطيل عليك.. ودعت الجميع فجر السبت الماضى.. وحملونى فى سيارة إسعاف عصراً من المستشفى العسكرى بالعريش وأنت ومعك الرئيس تسلمه السلطة.. ياه.. مسافة طويلة سيادتك من العريش إلى سوهاج.. قطعتها كثيراً وأنا «أنزل» إجازة فى مرات عديدة.. مسافة تصل إلى 750 كيلو متراً كما قلت أعلاه.. وصلت السيارة بعد أكثر من 12 ساعة كاملة.. وصلت بى فى الثالثة فجراً، وكان من المفترض أن تنقلنى طائرة إلى مطار أسيوط ومنها تنقلنى سيارة إسعاف إلى قريتى.. أى بعد 24 ساعة من لحظة أن تلقيت الرصاصة.. رصاصة كتبت نهايتى.

أحدثك عن «صرخات» أمى ولوعتها ودموعها.. وحسرتها.. كانت هى فى عملها وخبر مقتلى ينشر فى المواقع الإخبارية.. والدى أخفى عنها الخبر تماماً.. وانتظر قبل قدوم سيارة الإسعاف بـ4 ساعات.. وقال لها: «محمد ابنك محبوب فى الكتيبة.. وبيقولوا له انت جرىء يا «خطيب».. وبيلعب كرة مع الضباط لأنه «حريف».. محمد ابنك ربنا بيحبه أوى.. وأنت مؤمنة.. محمد ابنك مات.. محمد شهيد.. كاد رأسها يطير من الصدمة.. وانطلقت صرخاتها.. لا تتوقف.. حتى عندما وصل جثمانى إلى قريتى.. كان صوت أمى «ضعيفاً».. ميزت صوتها رغم صرخات النساء من أقاربى وجيرانى.

سيدى.. أنا هنا من موقعى.. لا أريد شيئاً.. الحمد لله على ما أنا فيه.. سيدى.. هل ترانى «شهيداً» أم قتيلاً.. سيدى كانت يدى «على الزناد».. لحظة انقلاب السيارة وإطلاق الرصاص علينا.. والدى ووالدتى.. لن يقفا فى مظاهرة أمام القصر الجمهورى.. لن يحملا صورتى ويقولا: «ابننا شهيد».. سيدى.. المسافة طويلة والآلام والحسرة والحزن متمكن.. هما ينتظران منكما أمرين.. أولهما فتح تحقيق فى الجريمة.. والثانى تكريم.. تكريم لشهيد.. لا أطلب المزيد.. لا نريد «ألف جنيه» أرسلوها لأسرتى الجمعة.. قال أبى إن كنوز الدنيا لن تعيدنى ولا يريد تعويضاً أو أموالاً.

ابنكم محمد الخطيب، المجند بالقوات المسلحة، والذى دمه «لم يشربه» بعد تراب سيناء.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية