x

أيمن الجندي الكاشفة أيمن الجندي الإثنين 25-02-2013 20:49


فى النفس الإنسانية نزوع فطرى إلى الخير والجمال. لذلك تميل النفس إلى تكوين «فكرة إيجابية» عن ذاتها، والتماس الأعذار. وقد يبالغ الإنسان فى تجميل «صورة الذات» لديه وينسى أنه يخدع نفسه بـ«ميكانيزمات الدفاع». لكن الله جل جلاله يرسل ابتلاءات– ليس مقصودة فى ذاتها- وإنما لكى تكشف الإنسان أمام نفسه، قبل أن تكشفه أمام الآخرين.

وهذه القصة التى حكاها لى صديقى أردت أن نتشارك فيها ونستخلص العبر، بشرط الصدق مع الذات. والصدق مع النفس يا أصدقائى من أصعب الأشياء. إذ لا يخدع الإنسان مثل نفسه، بطرق غاية فى التعقيد، لا يسهل اكتشافها، بهدف الحفاظ على التوازن النفسى الهش من أجل استمرار الحياة.

يقول صديقى: «كان جدى لأمى رجلاً ميسور الحال فى مدينة ساحلية. وقد أنجب ثمانية من البنات والأبناء. من ضمنهم خالتى، التى تقدم لها رجل بالطريقة التقليدية وحدث القبول والزواج. ومات الجدُ واكتشفت خالتى بعد وفاته أن زوجها المحترم متزوج فى قريته الأصلية وله أبناء.

كانت قد أنجبت طفلا، ومن ثم آثرت البقاء معه على مضض وقد أذاها خداعه. ثم انتقلت إلى قريته، بعدها ابتلاها الله فى ولدها الصغير بحمى أعقبها شلل رباعى وتخلف عقلى. مات زوجها وعاشت المسكينة فى القرية تُكرّس حياتها لخدمة الطفل المعاق. وبرغم المشاكل المتكررة مع أرملة زوجها وأولاده فقد مضت السنون وكبر الغلام وأصبح شاباً مكتمل الرجولة لكنه لم يبرح سريره فى أى وقت من الأوقات.

فى هذه الأعوام الطويلة انتقل الأشقاء والشقيقات إلى مدن أخرى وعاشوا حياتهم الخاصة وأنجبوا البنين والبنات. وفجأة جاءهم الخبر الفاجع كالزلزال. اتصلت جارة الخالة بهم لتخبرهم أنها ماتت فجأة بلا مرض أو سابق إنذار. وابنها الشاب المعاق فى رعايتها حتى يدبروا شؤونهم ويأخذوه.

جاءت وفاتها كالزلزال. شرع الأشقاء والشقيقات يجتمعون وقد أُسقط فى يديهم. لكل منهم حياته الخاصة المليئة بالمشاغل، ولا أحد يتسع بيته للشاب المُعاق المسكين. أبسط شىء من سيقوم بتنظيفه بعد قضاء الحاجة وهو المشلول فى الفراش؟. طرحوا عشرات الاقتراحات. بحثوا عن أى دور رعاية تقبله بلا جدوى. فكروا فى عرض مبلغ مالى على الجارة لتقوم برعايته. كل الأفكار طرحوها باستثناء شىء واحد، وهو أن يضم أحدهم الشاب المعاق.

يقول صديقى إن النجدة جاءت من السماء. وبرغم المشاكل السابقة فقد آثر إخوانه من الأب أن يضموا إليهم شقيقهم وتنفسوا الصعداء. وذهبت أم صديقى لزيارته بعد شهر تقريباً، حاملة بعض الثياب الجديدة، فإذا بها تكتشف أنه مات.

رُفع البلاء بعد أن كشف الجميع أمام ذواتهم. كانوا كلهم يصلون ويتضرعون فى الصلاة. وكانوا يحسنون الحديث فى التصوف والوجد الدينى وحب الله عز وجل. وأن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة، وكلام كثير على هذا النحو.

كلام ما أسهل الكلام!.

ترى ماذا سنفعل فى «الكاشفة» حين يأتى الاختبار من الله دون توقع، ليكشفنا أمام نفوسنا، قبل أن يكشفنا أمام الآخرين؟!.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية