منذ أعلن البيت الأبيض عن نية الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيارة إسرائيل وفلسطين والأردن، الشهر المقبل, وتثير هذه الزيارة اهتمام الجميع، لاعتبارات عديدة لا تقتصر على كون الرجل رئيس أهم دولة في العالم وحسب, لكن ارتباطًا بتوقيتها، فهي ربما كانت جولته الأولى للخارج بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية رئيسًا للولايات المتحدة, كذلك تعد زيارته الأولى لهذه الدول بالتحديد التي لم يسبق له أن زارها رغم مكوثه أربع سنوات مضت في البيت الأبيض, والأهم من ذلك ما توحي به هذه الزيارة من إشارة للاهتمام بالملف الفلسطيني – الإسرائيلي الذي بدأ حكمه بقطع الوعود بأن يصل به إلى الحل النهائي, ولم يفِ بهذه الوعود.
في التقدير الإسرائيلي، فإن اختيار زيارة فلسطين والأردن يوضح أن الرئيس أوباما يصل للوفاء بوعده للقيادة الفلسطينية بممارسة ضغط أكبر على إسرائيل مع بداية ولايته الثانية, إذ ليس لدى الفلسطينيين وقت، فانهيار السلطة الاقتصادي من جهة, وفشل الدبلوماسية التفاوضية من جهة أخرى يخلفان ضغطًا هائلًا على قيادة أبو مازن المقتنعة بأن الإنجازات السياسية هي السبيل الوحيد لإنقاذ حكمه.
وربما الإعلان عن الزيارة فاجأ محافل عديدة في إسرائيل وشهد ردود الفعل المرتبكة على خطوة أمريكية أحادية الجانب التي جاءت في توقيت مريح للإدارة الأمريكية, ولها معنى سياسي واضح, فالرسالة التي يريد البيت الأبيض أن ينقلها واضحة جدًا, وإن كان الحديث لا يدور عن استعمال ضغط مباشر.
لكن المؤكد أن زيارة أوباما المنتظرة ليست مُكَرَّسَة للعلاقات العامة, بقدر ما هي لطمأنة نتنياهو في أن استمرار سياسة المراوغة تجاه المسألة الفلسطينية لن تكون سببًا في تخلي واشنطن عن سياستها الثابتة تجاه إسرائيل, ففي الوقت الذي يتحدث فيه مسؤولون فلسطينيون عن أن الزيارة تؤكد اهتمامًا أمريكيًا بالملف الفلسطيني, الذي لم تحقق فيه الإدارة الأمريكية ما يذكر خلال الأربع سنوات التي مضت من حكم أوباما, وربما لا يعبر عن رغبة أمريكية بإطلاق المفاوضات وصولًا إلى المطالبة بممارسة الضغط على إسرائيل لتقبل بما يجعل من المفاوضات فعلاً جديًا يؤدي إلى نتيجة, إلا أن تعاطف وزير الخارجية الأمريكي الجديد، جون كيري، مع قضيتهم منحهم الأمل, غير أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي يقطع الطريق على هذا التفاؤل بالقول إن بدء أوباما فترة رئاسية ثانية, وتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة يوفر الفرصة لإعادة تأكيد الروابط العميقة والمستمرة بين البلدين, ولبحث السبل للتقدم في سلسلة طويلة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما فيها إيران وسوريا, دون أي إشارة للمعضلة الفلسطينية التي ترى واشنطن أن ليس فيها أي تهديد لأمن وأمان حليفتها المُدَلَّلَة.
ويعزز ذلك ما أوردته صحيفة جيروزاليم بوست، نقلًا عن مصادر في حزب الليكود، بأن زيارة أوباما منحت نتنياهو دفعة قوية لتشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة تضم أحزاب الوسط إلى جانب الأحزاب اليمينية المتشددة, وفي المقابل نفى البيت الأبيض بشكل قاطع سعي أوباما خلال الزيارة إلى الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي لبناء تحالف حكومي من الحمائم، في إشارة للأحزاب المعتدلة التي تؤيد حل الدولتين والمفاوضات مع الفلسطينيين .
ثمة رسائل مطمئنة بعثها البيت الأبيض لإسرائيل، فحواها أن الرئيس لن يحمل في جعبته خريطة طريق جديدة وخطوات محددة يتعين على تل أبيب ورام الله اتخاذها من أجل إحلال السلام, وأغلب الظن أن أوباما سيكتفي برسائل مدح للثمار التي يمكن أن تحققها رؤية دولتين لشعبين.
فأوباما نفسه يعي أن الشرق الأوسط مشتعل بنيران لم تشعلها إسرائيل, وأن رجل الإطفاء الإسرائيلي لا يمكنه إخماد هذه النيران, فمصر مثلاً تتأرجح على حافة هاوية الفوضى, وسوريا سقطت بالفعل في تلك الهاوية, ومصير الأردن ما زال يكتنفه الغموض, وإيران توشك على امتلاك قنبلة نووية, وبناءً عليه، فإن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لن يغير هذا الواقع.