(1)
عَرَّفَ الفيلسوف الإنجليزي جون لوك، «المسيحي»، (1632- 1704) العلمانية بأنها «تسامح الدولة مع جميع أشكال العقائد الدينية، وتعاملها مع كل التوجهات الفكرية، واحترامها لكل الطبقات الاجتماعية، وانشغالها بإدارة شؤون البلاد دون أن تنهك نفسها في فرض اعتقاد ديني أو سياسي»، وشدد على ضرورة أن «تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر حتى يفرض العقل نفسه، ليكون الناس أحرارًا، وقادرين على إدراك الحقائق الدينية والدنيوية بأنفسهم»..
لكن الفيلسوف المغربي «المسلم» محمد عابد الجابري (1936 - 2010)، رفض الاكتفاء بتعريف العلمانية بأنها «فصل الكنيسة عن الدولة»، مبررًا ذلك بعدم ملاءمة المصطلح للواقع العربي الإسلامي، لاختلاف الأيديولوجيات العقائدية، وفضل تعريفها على أنها «الديمقراطية التي تحفظ حقوق الأفراد، وتستخدم العقل للوصول إلى ممارسة سياسية رشيدة عادلة»..
أما شيوخ ثورة يناير، فكانت لهم توجهات مختلفة تمامًا، وتعريفات بقدر اختصارها إلا أنها أوجزت فأنجزت، نذكر على سبيل المثال الشيخ فوزي السعيد الذي اكتفى بتعريف العلمانيين بأنهم «مرتدون وكفار»، كما نذكر تعريف الشيخ مصطفى العدوي للعلمانية والليبرالية بأنها «كُفر بيّن»، وعندما هوجم كل منهما لجمعهما دون استثناء أو شرح، حاول الشيخ عبدالمنعم الشحات تصحيح مقصد الشيخين وتحديد ما فشلا فيه، فحدد قوله في «الديمقراطية حرام وكُفر»، ثم خرج علينا الشيخ حازم شومان بتصريح لا يُذكر سوى على خشبة مسرح كوميدي قائلًا «الدولة المدنية يعني أمك تقلع الحجاب»..
(2)
طبقًا لنتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية، التي انتهت بفوز فريق الإسلاميين على فريق الليبراليين والعلمانيين «51 %- 49%»، وطبقًا لسطور الفقرة السابقة، فنحن أمام اتجاه يشير إلى احتمالية أن يكون 12 مليونًا من سكان مصر كفارا وزناديق ومرتدين، وأنا منهم، وإذا ما فكرنا بطريقة شيوخ ثورة يناير، وعلى رأسهم الشيخ الكُمل عبدالله بدر، فسنجد أن 500 ألف مصري تقريبًا من الممتهنين بالفن تحديدًا، أو على علاقة غير مباشرة به، هم آلهة الكُفر والردة في مصر.
(3)
وبأسلوب «ساداتي» غير مبتكر، وبمسحة حزن غير عميقة، بدأ مرسي خطابه تعليقًا على أحداث بور سعيد قائلًا: «أبناء الشعب المصري العظيم، عاشت مصر في الأيام الماضية أوقاتًا حرجة سالت فيها دماء مصرية غالية وتعرضت فيها منشآت عامة وخاصة لاعتداءات آثمة» ليذكرنا ببيان ثعلب السياسة الراحل ليلة انقلاب 1952، ليكمل بعد ذلك خطابه بثبات انفعالي جيد، وجه خلاله التعازي إلى أُسر الضحايا، قبل أن يبدو على إحدى عينيه الإرهاق الشديد، لينتقل بعدها إلى أحكام القضاء وضرورة احترامها، ثم القليل من الحديث عن الحرية، ثم جُمل عن الأمن والأمان، ودور سيادته في حماية الشعب، لترفع هنا السبابة للمرة الأولى، ثم وجه الشكر إلى وزارة الداخلية ورجال الشرطة لما يبذلونه من مجهود ــ وصف أسلوب إدارتها لعملها قبل توليه الرئاسة بأنه ممارسات غير آدمية ــ ثم وجه الشكر إلى رجال القوات المسلحة، وانتقل إلى متابعته للإجراءات القانونية التي اتخذت لمعرفة الجناة، ثم القول الفصل الذي قال خلاله «أصدرت تعليماتي إلى رجال وزارة الداخلية»، وهي الجملة نفسها التي قالها مبارك في خطاب ما قبل موقعة الجمل مباشرة، والتي تدل على أن كاتب الخطاب أجاد اختيار «حرف الياء» الذي أرضى الرئيس، لأن جملة «أصدرت تعليمات إلى وزارة الداخلية» هي نفسها «أصدرت تعليماتي إلى وزارة الداخلية» دون حرف الياء، إلا أن الرئيس وكاتب الخطاب أرادا الإشارة إلى «الأنا» المراد منها تأكيد التواجد، ثم شَرَحَ التعليمات ومفادها التعامل بحسم مع الخارجين على القانون، ليؤكد في صورة جمالية بديعة مبهجة أن «مؤسسة الدولة في مصر بكل ألوان أطيافها قادرة على حماية هذا الوطن» ــ ولاحظوا «ألوان أطيافها» وأطلقوا العنان لفرشاة خيالكم ــ لترفع السبابة مرة أخرى قبل أن يقول: «أكدت من قبل أنني ضد أي إجراءات استثنائية، لكنني أكدت أيضًا أنني إذا اضطررت فسأفعل.. وها أنا أفعل»، قبل أن يستطرد «حقنًا للدماء»، والمتابع للحديث سيرى أنه كان يقرأ من الورقة الموجودة أمامه حتى جملة «إذا اضطررت سأفعل»، ثم رفع عيناه من على الورق ليقول بعصبية واضحة «وها أنا أفعل» ــ وأعتقد أنها جملة مضافة منه شخصيًا أخرج معها بعضا من ضغوط الأيام الماضية دون أن يقصد ــ ثم انتقل إلى الحوار الوطني وأهميته ودعوته لقادة الأحزاب والسياسيين للجلوس معًا، وانتهى الخطاب الذي أؤمن أنه انتهى بإعلان حالة الطوارئ بعد تمهيد مُبَرر من وجهة نظره.
(4)
باعتباري ليبراليا علمانيا كافرا، لم أتابع سوى ردود أفعال من هم على شاكلتي على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أول ردود الأفعال من المخرج يسري نصرالله الذي اكتفى بكلمتين خفيفتين، لكنهما محددتان قال خلالهما «مثير للغثيان» قاصدًا الخطاب بالطبع، بينما علق الإعلامي يوسف الحسيني ــ أحد قادة جيوش الكفار ــ قائلًا «أعتقد أن الرئيس مستمر في قلب الحقائق وتجاهل الواقع وكأنه يستلهم خطابات المخلوع، أنا كده اطمنت» في إشاره منه إلى احتمال استمرار الاعتصامات، بينما قال الدكتور محمد العدل ــ أنا ماقولتش منتج أهو يا دكتور ــ « ده انت كان ناقص تقول الديمقراطية لها أنياب.. الأول نحاكم القتلة.. الدم ده فى رقبة مين؟ واحنا طبعًا حنصدق لما تقول أنا اللي أصدرت مش المرشد» ثم أضاف ساخرًا بعدها بقليل «شهود عيان: توافد الآلاف على بورسعيد والإسماعيلية والسويس لقضاء حظر التجول هناك.. أصل ساعة الحظر ماتتعوضش»، واكتفت شيريهان بأربع كلمات قاتلة قالت خلالها :«أساء سمعًا فأساء إجابة»، ومعناها واضح طبعًا بالنسبة لي على الأقل «ومش مقصود منها مكتب الإرشاد خالص»، وخلطت نشوى مصطفى بين السخرية والجدية قائلة: «طوارئ وحظر تجول لمدة تلاتين يوم في مدن القناة!! ياتري قطر حتلحق ترمي أساس أول دور في مشروع تنمية القناة؟ ده حتي الأسمنت غالي اليومين دول!!» ثم أضافت: «إبداع الفشل في بعض الأحيان يزيد إلهامه عن إبداع النجاح»، وقال فنان الميدان آسر ياسين: « الذي لم يلحظ أن حالة الطوارئ لم تعد ترهب الشعب لم يستوعب الثورة بعد»، أما الناشط الإلكتروني فتحي عبدالوهاب فعلق ساخرًا مستخدمًا شعار حملة «راحت عليكي يا زوزو» قائلًا «ولااااااا أي اندهاش»، وقال أحمد عيد الناقد السياسي المتخفي في مهنة ممثل: «العناد وعدم السعي إلى حوار في مثل هذه الظروف الصعبة سيدخلاننا في دوامة عنف ستهوي بنا إما إلى براثن العسكر أو غياهب الجماعات الإسلامية المتشددة»، وقال الثائر خالد النبوي: «هل يمكن لرئيس أن يدعو لحوار مع بعض الأشخاص ويغلق أبواب الحوار مع كل الشعب»، وعلق بلال فضل قائلًا: «السلطان محمد مرسي أبو الصباع المنفعل بأمر الله، بدلًا من أن يعتذر عن جريمة كهذه تم فيها قتل رجل مشلول اعترف بإعطائه الأوامر للشرطة وحياها مما يجعله شريكا جنائيًا»، وخرجت حنان ترك عن صمتها قائلة: «كنت أتمنى أن أسمع في خطاب رئيس الدولة إقالة الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني بشكل عاجل للخروج من الأزمة الحالية ووأد الفتنة الجارية».. وقالت فيروز كراوية: «هو أنا ما عرفتش أتخذ إجراءات عادية، فقلت أتجه للاستثنائية على طول واتكل على الله.. هي بورسعيد محتاجة حظر تجول؟ دي مدينة أشباح من إمبارح.. ماحدش بيمشي في الشارع خوفًا من رصاصكم».
(5)
الأمر لم يخل الدراما المغلفة بالكوميديا السوداء، وكانت سيمون الأكثر نشاطًا إلكترونيًا أول من علقت بقولها: «أنا بتفائل لما الصباع يترفع في وش الشعب بعد أعمال الغضب والشغب»، ثم أضافت: «حظر التجول فشل وقت الثورة برغم سلميتها، دلوقتي عاوز تطبقه وكمان في مدن القناة»، وتابعت: «أنا في الشدة شديد وفي القوة قوي وبقالي يومين قاعد مع الفنجري بتدرب على حركة الصباع.. بس الكراڤات الڤيوليه تخبل يا ميسي»، ــ ميسي مقصودة وليست خطأ ــ وعلقت على نقطة احترام القضاء قائلة:«هو بيتكلم على القضاء والقضا»، ثم تحدثت بطريقة جادة فجأة قائلة: «أشعر أن دعوة الرئيس للحوار مشابهة لدعوة عمر سليمان للقوى الوطنية للحوار فى يناير 2011.. لما مرسى يقول (حسم وقوة) خمس مرات فى دقيقة واحدة يبقى لازم نعرف إنه بينهار»، واشتركت أيتن عامر في التعليق على الخطاب لتفجر مفاجأة وعيها السياسي قائلة: «يعني يعزي الناس ويفرض عليهم طوارئ ويشكر اللي قتلهم فى نفس الخطاب.. إن لم تبهرهم بذكائك»، ثم أضافت في حوار تخيلي منها: «وإلا سأضطر لفعل أكثر من ذلك .. أيوه اللي هو إيه؟ مش عارف لسه خيرت ماقليش بس هو قالي أقولها كده وأزعق وأبرق وقالي إن كده كله هيخاف»، وهي النقطة نفسها التي علقت عليها رشا مهدي قائلة: «وإلا سأضطر لفعل أكثر من ذلك! وأنا زي المرشد بالظبط.. في الشدة شديد وفي القوة قوي... أوي أوي»، بينما نظر هيثم سعيد إلى الخطاب بطريقة مختلفة قائلًا: «ويظل المستفيد الوحيد من خطاب مرسي هو باسم يوسف»، بينما طرحت إنجي المقدم، المنضمة حديثًا إلى النشاط الإلكتروني، سؤالًا قد يبدو للبعض منطقيًا رغم السخرية الواضحة قائلة: «تفتكروا الحزب الوطني اشترى مرسي بكام عشان يدمر الإخوان؟».. ثم أضافت: «هو قال أصدرت أوامري للشرطة بالتعامل بقوة، عشان فى المحكمة مايقولش للقاضي هذه الاتهامات أنكرها كاملة ويلعب فى مناخيره»، ليدخل باسم يوسف مضمار التعليقات بقوله:«يعني الرئيس مش عارف إن الشعب المصري لما تعمله حظر تجوال لازم ينزل يتفرج على حظر التجوال؟» وكعادته في النظر إلى الأمور بشكل مختلف قال عمرو واكد: «حاسس كده إن في مقلب استراتيجي بيجهز».. لترد عليه منى زكي قائلة: «قناة السويس.. كذب القطريون ولو صدقوا»، وبفكر تآمري غير صحيح بالمرة قال أحمد الشامي: «هو بيسخن الداخلية علينا؟ إنت كده غلطت غلطة كبيرة أوي»، كريم العدل: من يشير لنا بالسبابة، نشير له بحاجة تانية»، وكتب أيمن بهجت قمر المنتقد بمنطقية قائلًا: «يا جماعة أنا لما واحد بس بيغلط فيا ع الفيس بوك مثلًا ببقى هتجنن.. هو مرسي ده إيه؟ كمية غلط لايف .. إزاي كده! أرجوك حِس»، بينما علق محمود العسيلي السياسي الفني الصغير قائلًا: «لما رئيس مصر يطلع يتوعد ورد فعل الناس إن هي تعيط من الضحك أو الخيبة يبقى راحت الهيبة»..
(6)
السيد رئيس جمهورية مصر العربية المنتخب، القادم عبر صناديق الاقتراع النزيهة الشريفة غير المزورة، قدر الله لك ولنا أن تحكم شعبًا يحكم على ملوكه ورؤسائه بقلبه وعواطفه وليس بتفوقهم السياسي، ولعلك تذكر شطحات الملك فاروق التي استعبدت المصريين، قبل أن يكتب جملة قصيرة عند اعتلائه «المحروسة» قال فيها «إن نقطة دم مصرية أثمن عندي من كل عروش الدنيا ولذلك سأرحل فورًا»، وهو ما جعل المستعبدين أنفسهم يتعاطفون معه حتى الآن ويضربون به المثل، كما أرجو أن تضع أمامك مرحلة عبدالناصر بكل مساوئها، وتعلم أنه وبقدر أخطائه إلا أن الشعب خرج يودعه إلى مثواه الأخير، لذكائه في الظهور في ثوب ابن البلد واعترافه بتحمله مسؤولية 1967، وأتمنى أن تلحظ أن ديكتاتورية السادات لم تشفع للكراهية لتسكن قلوب المصريين تجاهه، ولعلك ترى بنفسك ترحماتهم عليه حتى الآن، بل ستثبت لك الأيام متى يشاء القدير أن مبارك بكل مساوئ مرحلته السياسية والاجتماعية والمالية سيخرج في ركب نعشه ملايين المصريين لتوديعه إلى ملاقاة ربه، كل ذلك لا لشيء إلا أن جميعهم تعاملوا مع قلوب المصريين وليس عقولهم، سيادة الرئيس المنتخب، المصريون يستطيعون تحمل ما لا يتحمله غيرهم إذا لم يشعروا بالتفرقة والحكم بمعيارين، سيادة الرئيس المنتخب، أرجو أن تستوعب أن المصريين كلمة توديهم وكلمة تجيبهم لأنهم أناس طيبيون، سيادة الرئيس المنتخب، أوصيك باختيار الكلمات والإيحاءات والأفعال الجيدة، سيادة الرئيس المنتخب، جد للمصريين الطعام قليل الثمن، والحياة الكريمة في أبسط صورها، وانشر الحب بين الجميع بالفعل لا بالقول.. بالفعل لا بالقول.. بالفعل لا بالقول، استوعبهم جميعًا، سياسيين وفلاحين وعمالا وطلبة ونسوة، «خدهم تحت جناحك يا ريس»، وتأكد من أنهم سيرفعونك إلى أعلى درجات الدنيا، وسيشفعون لك عند ربك في الآخرة..
سيادة الرئيس المنتخب القادم عبر صناديق الاقتراع النزيهة الشريفة.. رفع الأذى عن الطريق صدقة.. فما بالك برفع الأذى عن 90 مليون نفس بشرية.