x

شريف المرجوشي رقيبًا على المصنفات الفنيّة

الأربعاء 23-01-2013 21:57 | كتب: محمد المصري |
;ليوناردو دي كابريو ; و ;جيمي فوكس ; في لقطة من فيلم المخرج  ;كوينتن تارنتينو ;  ;جانو العبد ; ;ليوناردو دي كابريو ; و ;جيمي فوكس ; في لقطة من فيلم المخرج ;كوينتن تارنتينو ; ;جانو العبد ; تصوير : other

(1)

في مشهد شهير من فيلم «مواطن ومخبر وحرامي»، الذي أخرجه «داوود عبد السيد» عام 2003، يرغب الحرامي «شريف المرجوشي» في إعطاء هدية للمواطن المثقف «سليم»، وحين يعلم من الصول «فتحي» أنه «يحب التصاوير والتماثيل والأنتيكات»، يقرر أن يجلب له تمثالاً رخامياً عارياً، ولأنه «محبش يجيبها بَلْبُوصَة» فـ«وداها للبت سنية الخياطة تعملها جلابية وتجيبهاله»، وألبسه!

تذكرت مشهد «داوود» هذا أثناء تواجدي بالأمس في صالة السينما لمشاهدة فيلم المخرج «كوينتن تارنتينو» الجديد Django Unchained، المُرشح لأوسكار أفضل فيلم وواحد من أهم الإنتاجات السينمائية لعام 2012، مشهد الذروة الرئيسي الطويل بالفيلم يدور في بيت إقطاعي ثري في منتصف القرن التاسع عشر، وفي خلفيته هناك تمثال رخامي عار، ورقابة المصنفات.. قامت بعمل «نَغبشة – Blur» قَبيحة على التمثال العاري، استمرت طوال عشر دقائق، لم أفهم وحاولت ألا أهتم.. إلا أن ذلك لم يكن أسوأ ما حدث.

في تتابع الفيلم الختامي، تَحدث قَطعة غريبة وغير مبررة، البطل المُحاصر بداخل قصر ويُفترض قتله، ثم نجده بقطع مونتاجي عنيف في طريقه إلى أحد الجبال لاستخراج المعادن، دون أن نفهم –تماماً- ما حدث.

اعتقدت أثناء المشاهدة أنها قطعة عنيفة يقصدها «تارنتينو»، كمخرج يشتهر بمحاولة مستمرة لكسر القوالب المُعتادة في السرد، واعتبرت أنه في تلك المرة كان قبيحاً للغاية، وأن التتابع النهائي للفيلم بعد تلك القطعة هو شطحات ضعيفة لمخرجٍ كبير صار واعياً بنفسه أكثر من اللازم لدرجة أن يفعل أي شيء، بما فيها ألا يقول لمشاهديه ما حدث.

حين ذهبت إلى المنزل، قمتُ بتحميل نسخة «ديفيدي» للفيلم من أجل مشاهدة بعض المشاهد ثانيةً والتأكد من تلك القطعات، ثم.. وجدتُ مشهداً حوارياً كاملاً لمدة خمس دقائق، لا يوجد فيه أي عري أو سبب للحذف، يتم فيه تعذيب البطل قبل أن يشرح له أحد الشخصيات الرئيسية أن القرار النهائي بشأنه كان تسليمه إلى «شركة استخراج معادن» ليظل في الجبل يدق الحديد طوال حياته، وأن ذلك عقاباً أسوأ من الجلد أو القتل أو الإخصاء.

شعرتُ بغضبٍ شديد، ما هي المقاييس التي يقوم فيها الرقيب بالتدخل في عملٍ فني ويحذف منه خمس دقائق كاملة دون أي سبب أو مبرر إلا أن تلك قناعته – أيًّا كان مصدرها؟

في مشهد آخر من الفيلم يتم حذف قبلة، وفي ثالثٍ يُحذف مشهد قتل مهم، وربما مشاهد أخرى لم ألحظها لأنني لم أشاهد الفيلم كاملاً بعد، وهذا فقط ما اكتشفته حتى الآن.

ما هي الأسس التي تقوم عليها الرقابة أصلاً؟! ومَن مِن حقه التدخل في عملٍ فني ليحذف أحد مشاهده المهمَّة بالكامل.. كأن لم يكن؟ ليس عرياً وليس انتهاكاً لمقدسٍ ما، مشهد عادي أغلبه أصلاً «لقطات مقرَّبة» على وجوه الممثلين، من يفعل ذلك ولماذا؟

(2)

الحادثة ليست الأولى، ولكنها ربما الأكثر فجاجة

خلال الشهرين الماضيين، قام رقيب Anna Karenina بحذفِ كل قبلة وجدها في الفيلم أمامه، وحذف مشهد حواري قصير دون مبرر، قصة خيانة زوجية وتفاصيل شخصيات نفسية مُعقدة يتم حذفها كاملة رغم أنه ليس بها أي شيء يخدش حياء أحد، قبلات عادية دون عري قد يثير استياء البعض.

وفي فيلم Flight، الذي لم أشاهده في السينما، يخبرني الأصدقاء بأن هناك علاقات كاملة مَبتورة لأن الرقيب حذف مشاهد بينها، والأسوأ أن كل مشهد يقوم فيه البطل –مُدمن الخمر أصلاً في حبكة الفيلم- بالشرب.. فإن الرقابة تقوم بحذفه، ولا يعرف مشاهدو الفيلم في سينمات مصر ما هي القصة أصلاً!

لا أحب الكلمات الكبيرة، ولكن هذا سفه واعتداء على الإبداع واستخفاف ضخم بالعقول وبالمادة الفنيَّة ذاتها، هذا تحجيم للحريات بشكلٍ فَج وسافر، أمر لا يحتمل السكوت عليه، بالنسبة لي وللكثيرين.

(3)

فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» بالنسبة لـ«داوود» كان ذاتياً للغاية، شيء ما عن الهوة التي تتسع بينه وبين المجتمع، وخوف من أن تضيق البلاد عليه لدرجة لا تُحتمل.

أنا الآن أخافُ أيضاً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية