x

جوزيف مسعد الفلسطينيون واليهود المصريون بين النظام والمعارضة(2-2) جوزيف مسعد الثلاثاء 15-01-2013 21:51


لا تنفك الدعاية الصهيونية فى مصر عن تسويق أسرة شيكوريل السفاردية، التى كان يحمل أفرادها الجنسية البريطانية (وهى حقيقة يخفيها المروجون)، كمثال على الأسرة اليهودية المصرية التى كانت ركنا من أركان مصر الأصيلة. ولكن ما يتناساه هؤلاء فى الكثير من الأحيان هو أن مورينو شيكوريل الذى هاجر إلى مصر من سميرنا (إزمير) وأنشأ شركة العائلة الكبرى، متجر شيكوريل- كان صانع العلم الصهيونى الأول الذى حلّق فوق القدس فى ديسمبر ١٩١٧ لمدة ٢٠ دقيقة قبل إزالته من قبل القوات البريطانية. وقد تزوجت حفيدته ليلى من بيار منديس- فرانس الذى أصبح رئيس وزراء فرنسا فى الخمسينيات، قبل أن يشغل منصب وزير الخارجية، بعد سقوط حكومته الاشتراكية فى عام ١٩٥٥، فى حكومة غى موليه (من الحزب الاشتراكى الراديكالى الذى ينتمى إليه منديس-فرانس) التى تلت حكومته حتى شهر مايو/أيار ١٩٥٦. وقد دعا منديس- فرانس خلال فترة رئاسته فى عام ١٩٥٥ علماء نوويين إسرائيلين للمشاركة فى البرنامج النووى الفرنسى. واختتمت إسرائيل فى وقت لاحق صفقة مع الفرنسيين فى عام ١٩٥٦ للمشاركة فى الغزو الثلاثى على مصر تُكافئ إسرائيل بموجبها ببناء فرنسا لمفاعل ديمونة، حيث سيتم تصنيع قنابل إسرائيل النووية لاحقاً. يعلمنا رئيس إسرائيل الحالى شيمون بيريز، الذى عقد الصفقة، أنه «قبل التوقيع النهائى (على بروتوكول سيفر، حيث تم الاتفاق على خطة غزو مصر)، سألت بن جوريون لرفع جزئى للجلسة، وخلالها التقيت موليه وبورج- مونورى على انفراد. ومن هنا، عقدت مع هذين الزعيمين اتفاقا لبناء المفاعل النووى فى ديمونة، فى جنوب إسرائيل... وتوريد اليورانيوم الطبيعى لتزويده بالوقود. وقد قمت بطرح مجموعة من المقترحات التفصيلية التى قبلاها بعد المناقشة».

وقد هددت جولدا مائير مصر بالقصف بهذه القنابل النووية فى عام ١٩٧٣. وطوال هذه الفترة، وعلى حد علمى، لم تصدر ليلى شيكوريل ولا مرة واحدة أى بيان علنى تعارض فيه الغزو الفرنسى لمصر أو تحالفها ومساعدتها النووية لإسرائيل (وقد توفيت ليلى فى عام ١٩٦٧). ومن الجدير بالذكر أنه لم يتم تأميم شركة شيكوريل أبداً. فقد قام عم ليلى سلفاتور، الذى كان يحتفظ بجميع أموال ثروته خارج مصر فى ذلك الحين، ببيع الشركة لعائلة الجابرى المسلمة قبل مغادرته البلاد فى عام ١٩٥٧. وقد تم تأميم الشركة المملوكة لعائلة الجابرى فى عام ١٩٦١. كما أن جميع الادعاءات بتعرض عائلة شيكوريل للمضايقات من قبل النظام الناصرى هى مجرد دعاية كاذبة. أما منديس-فرانس، فقد أصبح عنصراً فاعلا فى عقد «حوارات السلام» بين فلسطينيين وإسرائيل فى بيته فى السبعينيات.

لم يلتزم العديد من اليهود المصريين البارزين الصمت إزاء عداء الغرب لبلدهم الأصلى، بل إن الكثيرين منهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من الحملات الغربية المناوئة لمصر والعرب والمسلمين بشكل عام. ويعتبر اليوم الملياردير الليكودى الأمريكى المولود فى الإسكندرية حاييم صبان واحداً من ألد أعداء العرب والمسلمين، وهو أحد الداعمين الرئيسيين للسياسات الإسرائيلية العنصرية والاستعمارية المتطرفة. أما نداف صفران، القاهرى المولد، والأستاذ السابق فى جامعة هارفارد الذى كان يقبض مبالغ طائلة من السى آى إيه فكان من أشد الكارهين للعرب والمسلمين، وكان صهيونيا فى وقت مبكر، قبل عام ١٩٤٨، وكان بالفعل مستوطنا يعيش فى كيبوتز فى فلسطين فى عام ١٩٤٦، وقد شارك فى الحرب الصهيونية عام ١٩٤٨ لغزو فلسطين.

أما اليهود المصريون فى الولايات المتحدة الذين كتبوا مذكرات عن فترة وجودهم فى مصر، فقد شكا أحدهم، فى مذكراته، من روائح المصريين المقززة إثر شرب الحلبة. بالطبع هنالك يهود مصريون آخرون لم يبرزوا كانوا وما زالوا يحبون مصر، ولكن التعميمات الدعائية من هذا القبيل من جانب بضعة صهاينة مصريين من غير اليهود اليوم بأن جميع اليهود المصريين فى الولايات المتحدة وفرنسا، على الأقل، إن لم يكن فى إسرائيل أيضا، يحبون مصر والعرب ينافى حقيقة أن الكثير من اليهود المصريين البارزين يعبرون بصراحة عن مواقفهم المعادية لمصر والمناهضة للعرب فى الغرب، ناهيك عن إسرائيل.

أما لوسيت لانيادو، وهى يهودية أمريكية من أصول مصرية غادرت مصر مع والديها فى عام ١٩٦٣، فقد عادت لزيارة مصر بعد عام ٢٠٠٥، وكانت قد نشرت مذكراتها عن طفولتها فى مصر. استضيفت لانيادو فى مكتبة ديوان فى الزمالك لتقدم كتابها إلى جمهور المكتبة، وقد غدت صاحبة المكتبة هند واصف من أصدقائها كما تعلمنا لانيادو فى إحدى مقالاتها المنشورة فى الولايات المتحدة. وتسهب لانيادو بوصف ترحيب «واصف» وآخرين بها فى القاهرة. فى غضون ذلك، تواصل لانيادو تكرار تسويق الدعاية الصهيونية حول صيغة «تبادل السكان» المزعوم، وأساطير صهيونية أخرى. كما تروى لنا كيف أن اليهود «أُجبروا على الخروج» من أوطانهم فى العالم العربى بينما «فرَّ» الفلسطينيون من إسرائيل. ومنذ قيام الثورة، وعلى الرغم من كرم ضيافة المصريين أثناء زيارتها لمصر، فلم تتوان «لانيادو» عن كتابة كلام دعائى ضد النظام الجديد، مؤكدة لقرائها فى صحيفة «وول ستريت جورنال» أنها لن تعود إلى مصر ثانية نتيجة وجود حكومة جديدة من الإخوان المسلمين. ولكن من يدرى، ربما ستعود بعد دعوة «العريان»، على الرغم من أن دعوته لا تشمل إلا اليهود المصريين فى إسرائيل فقط.

أما بالنسبة لنصف المجتمع اليهودى المصرى الذى انتهى به المطاف فى إسرائيل، فإن العديد منهم شاركوا فى القتال فى الحروب ضد مصر والعرب، وبعضهم يتبوأ مناصب المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلى، وغالبا ما يظهرون على شاشة قناة الجزيرة ويتحدثون باللهجة المصرية. ومن غير الواضح إذا كان سيتم دعوة هؤلاء أيضا للعودة إلى مصر.

ليس من قبيل الصدفة أن يثير كلام «العريان» كل هذا اللغط. ففى الأشهر القليلة الماضية، واصل فلول نظام مبارك وليبراليون يعارضون حكم الإخوان تسويق الحملات المباركية المعهودة الكارهة للفلسطينيين من خلال الزعم بأن الرئيس مرسى والإخوان المسلمين يخططون لإعطاء سيناء لفلسطينيى غزة. وقد ساهم فى نشر هذه الشائعات الكاذبة شخصيات لامعة مثل الخبير الاقتصادى جلال أمين، وطنى النزعة.

لم ينبس معظم هؤلاء (باستثناء جلال أمين بالطبع) المولولين خوفا من ضياع سيناء إن سكنها فلسطينيون ببنت شفة لمدة ثلاثة عقود عن حقيقة أن سيناء لم تزل ترزح خارج السيادة المصرية نتيجة اتفاقات كامب ديفيد، ولم يكترثوا لما حل بأهلها من أهوال خلال هذه الفترة، وهو ما يكشف أجندتهم المشبوهة. إن ظهور اهتمامهم المفاجئ بالدفاع عن سيناء نتيجة قصة خيالية دعائية من أن مرسى سيعطى سيناء للفلسطينيين هو أمر يثير الاستهجان. ولا تكاد الشائعات التى تتناول الفلسطينيين تتوقف، ومنها القصة المزعومة بأن مرسى يقطع التيار الكهربائى عن المصريين، بينما يقدم الطاقة الكهربائية مجانا لفلسطينيى غزة.

تتزامن هذه الشائعات مع السباق المستميت لحكومة مرسى وللمعارضة لإرضاء الولايات المتحدة واللوبى الصهيونى. ففى حين تحدث عصام العريان ذاته عن مأساة المحرقة اليهودية أثناء رحلة ترويجية للإخوان المسلمين قام بها للولايات المتحدة فى مايو/أيار ٢٠١١، قام محمد البرادعى الذى يفتقر لكل مقومات الكاريزما بالادعاء لصحيفة ألمانية أنه لا يمكن الوثوق بأعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من السلفيين والإخوان لأنهم، كما يزعم، ينكرون المحرقة! وقد جاءت تصريحات العريان فى الآونة الأخيرة عن اليهود المصريين كجزء من هذه الحملة من أجل الإثبات للأمريكيين والصهاينة من هو الأجدر بخدمة مصالح الولايات المتحدة والصهيونية على أفضل نحو.

ما يشى به هذا المستوى المؤسف الذى وصلته الثورة المصرية هو مدى نجاح قوى الثورة المضادة فى مصر، وكيف أنها تقوم بتقويض المكاسب الثورية وإلهاء المصريين عن التحديات الحقيقية، الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية، التى تواجههم.

* أستاذ السياسة والفكر العربى الحديث

فى جامعة كولومبيا

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية